باع أحمد السعدي مصاغ زوجته الذهبي ليتمكن من متابعة دراسته في ما يسمى بـ "أكاديمية التعليم الافتراضي والمفتوح في المملكة المتحدة" عن طريق أحد مكاتب الخدمات الطلابية في دمشق.
لكنه اكتشف متأخرا أن ذلك المكتب لم يكن إلا "مطبعة لصك شهادات مزورة"، وأن الأكاديمية التي يدرس فيها بواسطة المراسلة "وهمية لا وجود لها"، كما يقول.
وعلى خلفية حوادث مشابهة لما تعرض له أحمد، أصدر وزير التعليم العالي د.غياث بركات في آب العام 2007 قرارا بسحب تراخيص جميع مكاتب الخدمات الجامعية، وهي خمس مكاتب موزعة في محافظات دمشق وحلب واللاذقية.
لكن مدير أحد المكاتب التي أُلغي ترخيصها، يقول إن الوزارة بقرارها هذا "ألغت عمل خمسة مكاتب جامعية مرخصة تعمل في النور، فيما لا تزال عشرات المكاتب غير المرخصة أصلا تمارس عملها وتسلب الطلاب السوريين أوقاتهم وأموالهم ومستقبلهم بلا حسيب أو رقيب".
وفيما لا توجد معلومات دقيقة حول عدد هذه المكاتب في أي من الدوائر الحكومية كونها تعمل دون قيود نظامية، يقول المدير نفسه إنها "باتت تشكل سوقا سوداء واسعة زبائنها عشرات آلاف الطلاب السوريين ويستثمر فيها ملايين الليرات".
من جانبها لا تملك وزارة التعليم العالي سلطة قانونية لاتخاذ تدابير رادعة بحق مكاتب الخدمات الجامعية المخالفة، بل تترك الأمر للجهات الأمنية المختصة، حتى أن كثيرا من تلك المكاتب استمر في عمله وظل يروِّج لنشاطاته بطرق ملتوية في بعض النشرات الإعلانية ومواقع الانترنت وغيرها.
الصفحة 21 من نشرة "ساعي الشام" الإعلانية الصادرة بتاريخ 30/8/2008 مثلا، تضم إعلانا بحجم نصف صفحة لمكتب خدمات جامعية يدعو الطلاب للدراسة عن طريق المراسلة في جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية. كما ضمت النشرة ذاتها وفي الصفحة المقابلة إعلانا آخر بحجم ربع صفحة يدعو الطلاب السوريين للدراسة في جامعات يقول إنها سويسرية ومصرية وأردنية عبر الاتصال على رقمي جوالين مذكورين أسفل الإعلان دون ذكر أي عنوان أو رقم هاتف أرضي أو بريد إلكتروني.
هذان الإعلانان ليسا سوى غيض من فيض نشاط ما تُسمى مكاتب خدمات جامعية، غير مشروعة، والتي تبلغ ذروة نشاطها مع انتهاء امتحانات الثانوية العامة وشروع الطلاب في عملية البحث عن مقعد جامعي في بلد لم يتمكن فيه العام الفائت سوى 35 ألف طالب من دخول الجامعات الحكومية الست من أصل أكثر من 170 ألفا حصلوا على الشهادة الثانوية، بينما لم تستوعب الجامعات الخاصة وعددها 11 جامعة أكثر من سبعة آلاف طالب.
مكتب واحد يمثل أربع أكاديميات بريطانية وأمريكية!
أحمد السعدي كان واحدا من الذين انتسبوا إلى "أكاديمية التعليم المفتوح والافتراضي في المملكة المتحدة" عبر ما يسمى "المكتب الاستشاري للعلوم والتكنولوجيا" القابع في قبو أحد الأبنية في منطقة المعضمية بدمشق، والذي يتبين من موقعه الإلكتروني أنه يمثل إضافة إلى الأكاديمية المذكورة، ثلاثة مؤسسات تعليم عالي هي الجامعة الافتراضية الدولية في المملكة المتحدة، والأكاديمية الأمريكية للإدارة، والأكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي.
لكن تحقيقا صحفيا كشف أنه يمارس عمله "وفق سجل تجاري وليس وفق ترخيص مكتب خدمات جامعية" كما يفيد بذلك كتاب صادر عن وزارة التعليم العالي، وثبت أيضا أن صاحب المكتب كان يطلب من الطلاب دفع رسوم الدراسة بالدولار أو الجنيه الاسترليني في حساب خاص باسمه وليس باسم الأكاديميات أو الجامعات التي يقول إنه يمثلها.
إثر ذلك صدرت قرارات متتالية بإغلاق "المكتب الاستشاري للعلوم والتكنولوجيا" ، والحجز على أموال صاحبه وإحالته إلى القضاء، حيث صدر قرار بحبسه مدة ثلاثة أشهر على خلفية دعوى رفعها ضده طالبان كانا يدرسان في إحدى أكاديمياته. كما تضمن القرار إلزام صاحب المكتب بدفع ألفي جنيه استرليني كان أخذهما من الطالبين المذكورين كرسوم دراسية إضافة إلى دفعه مبلغ خمسين ألف ليرة سورية "تعويضا لما أصابهما من ضرر".
لكن أحمد السعدي لا زال حتى الآن ينتظر مع نحو عشرة من زملائه استرجاع أموالهم ومعاقبة صاحب المكتب بتهم "الاحتيال والتزوير واستعمال المزور"، كما يوضح كتاب صادر عن محكمة بداية الجزاء الخامسة بدمشق.
رغم كل ذلك، يمكن للمتابع ملاحظة أن الموقع الإلكتروني لـ "للمكتب" يتم تحديثه باستمرار حتى الآن. وفي شهر آب الفائت تم رصد عدد من الرسائل الإلكترونية الإعلانية التي تدعو إلى التسجيل في الأكاديميات والجامعات البريطانية والأمريكية التي يقول المكتب إنه يمثلها، ورغم أن الموقع لا زال يشير إلى أن المكتب موجود في منطقة المعضمية، إلا أن زيارة ميدانية للمكتب دلت على أنه مغلق بالفعل.
موظف سابق كان يتولى مهمة مراسلة الطلاب الدارسين في الأكاديميات والجامعات التي يمثلها المكتب يقول إن القائمين عليه وبعد صدور قرار إغلاقه "نقلوا أعمالهم إلى بيوتهم، حيث لا حاجة للتواصل الشخصي مع الطلاب وإنما يتم التواصل عبر الانترنت".
يضيف الموظف عينه أنه كان مشرفا على نحو مئة طالب وطالبة من داخل وخارج سورية، بينهم طالبة فلسطينية مقيمة في مصر قالت إنها دفعت نحو 1400 دولار قبل أن تسمع قبل فترة قصيرة بانكشاف أمر "المكتب" في دمشق الذي رفض تزويدها بأي وثيقة تثبت أنها درست عدة كورسات في الأكاديمية الأمريكية.
جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية
وزارة التعليم العالي سارعت فور نشر إعلان المكتب الذي يقول إنه يمثل "جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية"، إلى نشر تحذير على موقعها الإلكتروني جاء فيه "تحذر وزارة التعليم الطلاب السوريين التسجيل عن بعد أو بنظام التعليم المفتوح لجامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية، وأنها لم ترخص لأي مكتب في دمشق والمكتب الموجود مخالف للأنظمة وأنها تعترف بالجامعة إذا درس الطالب في مقرها باليمن/صنعاء".
بالمقابل يقول وكيل الجامعة في مدينة دمشق إنه فوجئ باستهداف مكتبه دون غيره من المكاتب من قبل الوزارة، مضفيا أن "المكتب يعمل منذ نحو ست سنوات على تأمين قبولات للطلاب السوريين للدراسة في الجامعة اليمنية عبر المراسلة"، وأن لديه حاليا "قرابة 155 طالبا سجَّلوا قبل صدور قرار الوزارة".
ويتابع الوكيل "نحن لا نخدع الطلاب المسجلين لدينا حيث نبين لهم أنه وبعد تخرجهم من الجامعة لن تعادل شهادتهم في سورية كون وزارة التعليم لا تعترف بنظام التعليم عن بعد، وإنما بإمكانهم أن يستخدموا تلك الشهادة للعمل في القطاع الخاص أو خارج سورية".
وخلال السنتين الأخيرتين لجأت وزارة التعليم العالي إلى ما يمكن تسميته قوننة صارمة لمعادلة الشهادات الأجنبية، وخاصة الطبية منها، وتشترط الوزارة لمعادلة الشهادات الأجنبية جملة من البنود، منها أن يثبت الطلاب أنه كان مقيما بشكل فعلي في البلد الذي حصل منه على الشهادة، وأن يتقن لغة ذلك البلد..، كما أنها حددت الجامعات العربية والعالمية المعتمدة من قبل الوزارة بنحو خمسة آلاف جامعة، ونشرت قائمة بأسمائها على موقعها الإلكتروني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع - سيريا نيوز ..
لكنه اكتشف متأخرا أن ذلك المكتب لم يكن إلا "مطبعة لصك شهادات مزورة"، وأن الأكاديمية التي يدرس فيها بواسطة المراسلة "وهمية لا وجود لها"، كما يقول.
وعلى خلفية حوادث مشابهة لما تعرض له أحمد، أصدر وزير التعليم العالي د.غياث بركات في آب العام 2007 قرارا بسحب تراخيص جميع مكاتب الخدمات الجامعية، وهي خمس مكاتب موزعة في محافظات دمشق وحلب واللاذقية.
لكن مدير أحد المكاتب التي أُلغي ترخيصها، يقول إن الوزارة بقرارها هذا "ألغت عمل خمسة مكاتب جامعية مرخصة تعمل في النور، فيما لا تزال عشرات المكاتب غير المرخصة أصلا تمارس عملها وتسلب الطلاب السوريين أوقاتهم وأموالهم ومستقبلهم بلا حسيب أو رقيب".
وفيما لا توجد معلومات دقيقة حول عدد هذه المكاتب في أي من الدوائر الحكومية كونها تعمل دون قيود نظامية، يقول المدير نفسه إنها "باتت تشكل سوقا سوداء واسعة زبائنها عشرات آلاف الطلاب السوريين ويستثمر فيها ملايين الليرات".
من جانبها لا تملك وزارة التعليم العالي سلطة قانونية لاتخاذ تدابير رادعة بحق مكاتب الخدمات الجامعية المخالفة، بل تترك الأمر للجهات الأمنية المختصة، حتى أن كثيرا من تلك المكاتب استمر في عمله وظل يروِّج لنشاطاته بطرق ملتوية في بعض النشرات الإعلانية ومواقع الانترنت وغيرها.
الصفحة 21 من نشرة "ساعي الشام" الإعلانية الصادرة بتاريخ 30/8/2008 مثلا، تضم إعلانا بحجم نصف صفحة لمكتب خدمات جامعية يدعو الطلاب للدراسة عن طريق المراسلة في جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية. كما ضمت النشرة ذاتها وفي الصفحة المقابلة إعلانا آخر بحجم ربع صفحة يدعو الطلاب السوريين للدراسة في جامعات يقول إنها سويسرية ومصرية وأردنية عبر الاتصال على رقمي جوالين مذكورين أسفل الإعلان دون ذكر أي عنوان أو رقم هاتف أرضي أو بريد إلكتروني.
هذان الإعلانان ليسا سوى غيض من فيض نشاط ما تُسمى مكاتب خدمات جامعية، غير مشروعة، والتي تبلغ ذروة نشاطها مع انتهاء امتحانات الثانوية العامة وشروع الطلاب في عملية البحث عن مقعد جامعي في بلد لم يتمكن فيه العام الفائت سوى 35 ألف طالب من دخول الجامعات الحكومية الست من أصل أكثر من 170 ألفا حصلوا على الشهادة الثانوية، بينما لم تستوعب الجامعات الخاصة وعددها 11 جامعة أكثر من سبعة آلاف طالب.
مكتب واحد يمثل أربع أكاديميات بريطانية وأمريكية!
أحمد السعدي كان واحدا من الذين انتسبوا إلى "أكاديمية التعليم المفتوح والافتراضي في المملكة المتحدة" عبر ما يسمى "المكتب الاستشاري للعلوم والتكنولوجيا" القابع في قبو أحد الأبنية في منطقة المعضمية بدمشق، والذي يتبين من موقعه الإلكتروني أنه يمثل إضافة إلى الأكاديمية المذكورة، ثلاثة مؤسسات تعليم عالي هي الجامعة الافتراضية الدولية في المملكة المتحدة، والأكاديمية الأمريكية للإدارة، والأكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي.
لكن تحقيقا صحفيا كشف أنه يمارس عمله "وفق سجل تجاري وليس وفق ترخيص مكتب خدمات جامعية" كما يفيد بذلك كتاب صادر عن وزارة التعليم العالي، وثبت أيضا أن صاحب المكتب كان يطلب من الطلاب دفع رسوم الدراسة بالدولار أو الجنيه الاسترليني في حساب خاص باسمه وليس باسم الأكاديميات أو الجامعات التي يقول إنه يمثلها.
إثر ذلك صدرت قرارات متتالية بإغلاق "المكتب الاستشاري للعلوم والتكنولوجيا" ، والحجز على أموال صاحبه وإحالته إلى القضاء، حيث صدر قرار بحبسه مدة ثلاثة أشهر على خلفية دعوى رفعها ضده طالبان كانا يدرسان في إحدى أكاديمياته. كما تضمن القرار إلزام صاحب المكتب بدفع ألفي جنيه استرليني كان أخذهما من الطالبين المذكورين كرسوم دراسية إضافة إلى دفعه مبلغ خمسين ألف ليرة سورية "تعويضا لما أصابهما من ضرر".
لكن أحمد السعدي لا زال حتى الآن ينتظر مع نحو عشرة من زملائه استرجاع أموالهم ومعاقبة صاحب المكتب بتهم "الاحتيال والتزوير واستعمال المزور"، كما يوضح كتاب صادر عن محكمة بداية الجزاء الخامسة بدمشق.
رغم كل ذلك، يمكن للمتابع ملاحظة أن الموقع الإلكتروني لـ "للمكتب" يتم تحديثه باستمرار حتى الآن. وفي شهر آب الفائت تم رصد عدد من الرسائل الإلكترونية الإعلانية التي تدعو إلى التسجيل في الأكاديميات والجامعات البريطانية والأمريكية التي يقول المكتب إنه يمثلها، ورغم أن الموقع لا زال يشير إلى أن المكتب موجود في منطقة المعضمية، إلا أن زيارة ميدانية للمكتب دلت على أنه مغلق بالفعل.
موظف سابق كان يتولى مهمة مراسلة الطلاب الدارسين في الأكاديميات والجامعات التي يمثلها المكتب يقول إن القائمين عليه وبعد صدور قرار إغلاقه "نقلوا أعمالهم إلى بيوتهم، حيث لا حاجة للتواصل الشخصي مع الطلاب وإنما يتم التواصل عبر الانترنت".
يضيف الموظف عينه أنه كان مشرفا على نحو مئة طالب وطالبة من داخل وخارج سورية، بينهم طالبة فلسطينية مقيمة في مصر قالت إنها دفعت نحو 1400 دولار قبل أن تسمع قبل فترة قصيرة بانكشاف أمر "المكتب" في دمشق الذي رفض تزويدها بأي وثيقة تثبت أنها درست عدة كورسات في الأكاديمية الأمريكية.
جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية
وزارة التعليم العالي سارعت فور نشر إعلان المكتب الذي يقول إنه يمثل "جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية"، إلى نشر تحذير على موقعها الإلكتروني جاء فيه "تحذر وزارة التعليم الطلاب السوريين التسجيل عن بعد أو بنظام التعليم المفتوح لجامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية، وأنها لم ترخص لأي مكتب في دمشق والمكتب الموجود مخالف للأنظمة وأنها تعترف بالجامعة إذا درس الطالب في مقرها باليمن/صنعاء".
بالمقابل يقول وكيل الجامعة في مدينة دمشق إنه فوجئ باستهداف مكتبه دون غيره من المكاتب من قبل الوزارة، مضفيا أن "المكتب يعمل منذ نحو ست سنوات على تأمين قبولات للطلاب السوريين للدراسة في الجامعة اليمنية عبر المراسلة"، وأن لديه حاليا "قرابة 155 طالبا سجَّلوا قبل صدور قرار الوزارة".
ويتابع الوكيل "نحن لا نخدع الطلاب المسجلين لدينا حيث نبين لهم أنه وبعد تخرجهم من الجامعة لن تعادل شهادتهم في سورية كون وزارة التعليم لا تعترف بنظام التعليم عن بعد، وإنما بإمكانهم أن يستخدموا تلك الشهادة للعمل في القطاع الخاص أو خارج سورية".
وخلال السنتين الأخيرتين لجأت وزارة التعليم العالي إلى ما يمكن تسميته قوننة صارمة لمعادلة الشهادات الأجنبية، وخاصة الطبية منها، وتشترط الوزارة لمعادلة الشهادات الأجنبية جملة من البنود، منها أن يثبت الطلاب أنه كان مقيما بشكل فعلي في البلد الذي حصل منه على الشهادة، وأن يتقن لغة ذلك البلد..، كما أنها حددت الجامعات العربية والعالمية المعتمدة من قبل الوزارة بنحو خمسة آلاف جامعة، ونشرت قائمة بأسمائها على موقعها الإلكتروني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع - سيريا نيوز ..