ذاكرة شكسبير
المؤلف:
خورخ لويس بورخس
المترجم:
مها رفعت عطفة
تقديم:
ماريو بارغاس يوسا
"كتاب الالف " لبورخيس هو احدى القصص الشهيرة في العالم . هذا الكتاب ، بمتاهاته ورموزه ومراياه واقنعته وسكاكينه ، هو الاكثر شهرة بين كتب بورخيس والذي يعثر فيها البطل في قبوه على نقطة الالف والتي ستكون محول كل النقاط .
انها بؤرة العالم ، وبدل ان يتبلبل لسان بورخيس على طريقة الاجداد البابليين الذي تبلبل لسانهم ، وهم يبنون جنائن بابل المعلقة التي تأخذ شكل الزقورات السامرائية ، كي يهبطوا الى المحل الارفع حسب قول ابن سينا ، راح يعيد بشكل حدائي صورة الشاعر – العراف ، والشاعر – الكاهن، الذي يمتلك الاسرار الالهية. ان امتلاك السر وعدم اباحته هو في ظني اساس الكتابة المثلى والعليا.
تبدو قصص بورخيس مراجعات لكتب نقدية ، وهي ميزة طالما حافظ عليها. بل ان هذه السمة هي التي تميزه عن اقرانه ، وهو كان ذا تأثير طاغ عليهم وعلى من اتى بعدهم من الكتاب . لقد تأثر الكثير من كتاب اميركا اللاتينية ببورخيس ، وتأثيره في نثر غابرييل غارسيا ماركيز واضح .
لكن تأثير بورخيس في قصص الارجنتيني خوليو كورتاثار (1914 – 1948) يبدو اكبر ، لان حضور بورخيس لا يتجلى في الاسلوب فحسب ، وانما ايضا في نسق تحويل الواقع اليومي الى فانتازيا محضة.
نسق تحويل الوقائعي الى فانتازي هي سمة من سمات قصص بورخيس تضاف الى السمة الاولى التي هي الهام القارئ المثالي كتابة القصة على شكل مراجعة نقدية ، كما في قصته الشهيرة عن مكتبات بابل.
اربع قصص فقط يحتويها هذا الكتاب ، بالاضافة الى مقدمة ماريو بارغاس يوسا. القصة الاخيرة "ذاكرة شكسبير" هي التي وسمت الكتاب بعنوانه الحالي.
يعتبر بورخيس في القصة ان شكسبير هو قدره ، وهكذا يتبدى لنا بورخيس بلبوس شرقي مخادع وماكر ، وهو القاص الاكثر التصاقا" بغربيته .
وشكسبير احدى عمارات "الآخر" الادبية والانسانية طبعا". لكن هذا القدر الشرقي لا بد ان يتلبس بورخيس وان على اسس من العمارة الغربية العلمية الحديثة .
القدر الذي يظهر بلبوس شرقي ممتع يكتنز ، مع بورخيس ، الصورة الغربية المعهودة. اذ ان بورخيس الذي يضع مقدمة لقصته القدرية هذه سرعان ما يترك هذا القناع الشرقي ، ثم يمضي قدما" نحو التحقيق والبحث والتقصي ، على طريقة الآخر الغربي . فها هو يتوخى الدقة ، ويسبر غور الطبعات الاسبانية الاولى لشكسبير ، فاحصا تعلقه به . شكسبير هو في الاصل امثولة "غربية" ، طالما حملها "الآخر" ، لتمجيد نصوصه مسبغا" عليها الروح الليبرالية العميقة ، لكي يفرضها على العالم ".
يستند تشوسر في حكايات كانتربري على اسطورة الملك سليمان وخاتمه العجيب ، خائضا" في الف ليلة وليلة وحكاية المارد والقمقم وصديقنا المحبوب علي بابا . اخيرا يقبل بورخيس كأي منتج لثقافته الغربية ، سلفه المحبوب شكسبير . وعلى طريقته ، وكأي كاتب كبير ، يظل لابسا مسوح الرهبان والشرق ، كي تستمر خدعته الجمالية تتألق في سماء الادب الانساني .