قد يكون مرّ أكثر من أربعين سنة على أمسية قصصية قدّمتها في مصياف أديبة جاءت من دمشق اسمها ( ملاحة الخاني), وهي زوجة المخرج المعروف (صلاح دهني). كان ثمة حشد أدهش القاصة ومن معها.. وحمل مشرف المركز الثقافي على نقل الأمسية إلى سينما (النصر) التي كانت قائمة آنذاك.
بعد فترة وجيزة, كتبت ( ملاحة الخاني)- أو زوجها الذي رافقها في الأمسية – مقالاً في الصفحة الأخيرة من جريدة الثورة.. امتدحت فيه حال الثقافة والأدب في البلدة ثم عبّرت عن رأي خلاصته أن الثقافة قد هاجرت من المدينة إلى الريف !
في الأيام الراهنة.. يرى المتتبِّع للنشاط الثقافي ( بخاصة الأدبي منه) العزوف الغريب.. والتلاشي التدريجي لجمهور المراكز الثقافية في الريف.. ويقود الأمر للتساؤل : إلى أين هاجرت الثقافة ..؟
يأتي بعض من يدور في مدار التشاؤم المفرط ليجري تعديلاً على التساؤل ويقول إن الثقافة – كما تعودناها – لم تهاجر, إنما غفت في سبات.. وربما صارت في خبر كان.. أو أنها – في أحسن الأحوال- تزيّت بزي جديد متلائم مع ماطرأ من انطلاقة ماردة في مجال الاتصالات, وهذا الزي لاتربطه وشائج قربى مع الثقافة المألوفة الأليفة, ثم يستطرد هؤلاء ويعلنون أن بقايا الحنين الحميمي لأيام زمان الثقافية هي في سيرورة الاندثار مع جيل فُتحت له الأبواب دون أن يطرقها.. وهو جيل مُمَكْنَنَ العواطف والانفعالات .. يستخدم أزرار الـ ( ريموت كونترول) حتى فيما كان يُسمى مشاعر إنسانية.. وهي الأزرار ذاتها التي يمكن أن تُستخدم ضده.
بالنسبة للمراكز الثقافية فإنه يفترض أن تؤدي دوراً حيوياً في علو إيقاع النشاط الثقافي التنويري, وتأسيساً على هذه الحقيقة انشأت الدولة مئات المراكز المنتشرة في القطر.. والتي يتباين أداؤها وفقاً لمجموعة ظروف وعوامل, إن إدارة ( مركز ثقافي) مغايرة لإدارة دائرة أخرى, فالحماسة لتوليها غائبة برغم أهميتها.. السبب في المقام الأول هو أن مقاييسنا باتت تعتمد المسطرة ( المادية).. وهذه المسطرة لاتمر بمحطة المراكز الثقافية. في مصياف مثلاً لدينا إدارة مركز شاغرة منذ بعيد مطلع العام وحتى كتابة هذه الأسطر .. ويتطلع محبو الثقافة لرؤية مدير فاعل يجدد نشاط المركز المعهود والمشهود له في كل أنحاء القطر.. لكنني سمعت أنه مامن تهافتٍ على تجشم عناء هذا الموقع- وهذه حالة لاتتكرر مراراً.. لأنه ماأن تشعر إدارة ما (سمينة وثمينة) إلا ويندفع المندفعون لبلوغها عن طريق شتى السبل.
إن لمدير المركز الثقافي صفات مختلفة منها الحضور في دائرة الفعل الثقافي.. والمقدرة على التواصل والحوار مع المبدعين والناس.. ورؤية العمل من زاوية نيّرة ومن منظور غير مادي, ومن طرائف ماقرأت مؤخراً في جريدة تشرين عن تصريح لمدير جديد لمركز ثقافي بأنه لم يدخل المركز إلا بعد أن صار مديراً !
أخيراً أشير إلى نقطتين لهما صلة, الأولى أن شباباً اعتادوا زيارة المركز لمطالعة صحف ومجلات متنوعة يقتنيها المركز مثل السفير.. أخبار الأدب.. الأسبوع الأدبي إضافة لصحفنا المحلية كافة.. إلا أن قراراً ( أو شبه قرار) صدر ومنع المراكز من شراء كل الصحف باستثناء الرسمية فقط.
النقطة الثانية هي ( الجرد) الذي تجريه المراكز الثقافي في الشهر السابع- أي مع بدء العطلة الصيفية للطلبة – ويستمر ليغطي نصف العطلة وتوقف الإعارة خلال ذلك. أحد الطلاب الظرفاء اقترح تمديد الجرد ليشمل العطلة بأكملها.. فيرتاح هو وزملاؤه من المطالعة ويرتاح موظفو المراكز من تدوين الأسماء في سجل الإعارة - مارأيكم؟
ــــــــــــــــــــــــــ
محمد أبو حمود - الفداء
26 / 07 / 2010
بعد فترة وجيزة, كتبت ( ملاحة الخاني)- أو زوجها الذي رافقها في الأمسية – مقالاً في الصفحة الأخيرة من جريدة الثورة.. امتدحت فيه حال الثقافة والأدب في البلدة ثم عبّرت عن رأي خلاصته أن الثقافة قد هاجرت من المدينة إلى الريف !
في الأيام الراهنة.. يرى المتتبِّع للنشاط الثقافي ( بخاصة الأدبي منه) العزوف الغريب.. والتلاشي التدريجي لجمهور المراكز الثقافية في الريف.. ويقود الأمر للتساؤل : إلى أين هاجرت الثقافة ..؟
يأتي بعض من يدور في مدار التشاؤم المفرط ليجري تعديلاً على التساؤل ويقول إن الثقافة – كما تعودناها – لم تهاجر, إنما غفت في سبات.. وربما صارت في خبر كان.. أو أنها – في أحسن الأحوال- تزيّت بزي جديد متلائم مع ماطرأ من انطلاقة ماردة في مجال الاتصالات, وهذا الزي لاتربطه وشائج قربى مع الثقافة المألوفة الأليفة, ثم يستطرد هؤلاء ويعلنون أن بقايا الحنين الحميمي لأيام زمان الثقافية هي في سيرورة الاندثار مع جيل فُتحت له الأبواب دون أن يطرقها.. وهو جيل مُمَكْنَنَ العواطف والانفعالات .. يستخدم أزرار الـ ( ريموت كونترول) حتى فيما كان يُسمى مشاعر إنسانية.. وهي الأزرار ذاتها التي يمكن أن تُستخدم ضده.
بالنسبة للمراكز الثقافية فإنه يفترض أن تؤدي دوراً حيوياً في علو إيقاع النشاط الثقافي التنويري, وتأسيساً على هذه الحقيقة انشأت الدولة مئات المراكز المنتشرة في القطر.. والتي يتباين أداؤها وفقاً لمجموعة ظروف وعوامل, إن إدارة ( مركز ثقافي) مغايرة لإدارة دائرة أخرى, فالحماسة لتوليها غائبة برغم أهميتها.. السبب في المقام الأول هو أن مقاييسنا باتت تعتمد المسطرة ( المادية).. وهذه المسطرة لاتمر بمحطة المراكز الثقافية. في مصياف مثلاً لدينا إدارة مركز شاغرة منذ بعيد مطلع العام وحتى كتابة هذه الأسطر .. ويتطلع محبو الثقافة لرؤية مدير فاعل يجدد نشاط المركز المعهود والمشهود له في كل أنحاء القطر.. لكنني سمعت أنه مامن تهافتٍ على تجشم عناء هذا الموقع- وهذه حالة لاتتكرر مراراً.. لأنه ماأن تشعر إدارة ما (سمينة وثمينة) إلا ويندفع المندفعون لبلوغها عن طريق شتى السبل.
إن لمدير المركز الثقافي صفات مختلفة منها الحضور في دائرة الفعل الثقافي.. والمقدرة على التواصل والحوار مع المبدعين والناس.. ورؤية العمل من زاوية نيّرة ومن منظور غير مادي, ومن طرائف ماقرأت مؤخراً في جريدة تشرين عن تصريح لمدير جديد لمركز ثقافي بأنه لم يدخل المركز إلا بعد أن صار مديراً !
أخيراً أشير إلى نقطتين لهما صلة, الأولى أن شباباً اعتادوا زيارة المركز لمطالعة صحف ومجلات متنوعة يقتنيها المركز مثل السفير.. أخبار الأدب.. الأسبوع الأدبي إضافة لصحفنا المحلية كافة.. إلا أن قراراً ( أو شبه قرار) صدر ومنع المراكز من شراء كل الصحف باستثناء الرسمية فقط.
النقطة الثانية هي ( الجرد) الذي تجريه المراكز الثقافي في الشهر السابع- أي مع بدء العطلة الصيفية للطلبة – ويستمر ليغطي نصف العطلة وتوقف الإعارة خلال ذلك. أحد الطلاب الظرفاء اقترح تمديد الجرد ليشمل العطلة بأكملها.. فيرتاح هو وزملاؤه من المطالعة ويرتاح موظفو المراكز من تدوين الأسماء في سجل الإعارة - مارأيكم؟
ــــــــــــــــــــــــــ
محمد أبو حمود - الفداء
26 / 07 / 2010