من طرف ADMIN 17/6/2009, 12:21 am
الأربعاء:17-6-2009 -
محطات خالدة .... وعطاء مستمر.. رفعت عطفة: خلقنا جواً من التواصل والود... أعتقد أنه كان مثالاً يحتذى
في منزل جميل يسكنه الهدوء والسلام والحب ومقتنيات تدل على ذوق رفيع واهتمام بالتفاصيل الصغيرة، وفي مكتبة تضم أروع المختارات العربية والأجنبية استقبلنا برحابة صدر معهودة لديه، على الرغم من انشغاله،فكان لنا شرف لقائه والحديث معه عن مراحل مهمة في حياته، إنه القاص والمترجم والشاعر الأستاذ رفعت عطفة.
استاذ رفعت في البداية ماذا تحدثنا عن طفولتك في مدينتك مصياف؟ وكيف أثرت في أعمالك الابداعية فيما بعد؟
- الإنسان كلّ متكامل، للطفولة فيه كما لكلّ المراحل الأخرى من عمره، ولوعي الحالات التي يمر بها أهمية كبيرة في تجاوز العذاب المرّ والإخلاص للصحيح، كانت طفولتي مثل طفولة الكثيرين من أبناء جيلي مليئة بالشقاء، والعذاب، لكنه الشقاء الذي حفر في نفسي كتاباً بقيت طيلة حياتي مخلصاً له، مخلصاً للفقر الذي عشتُ فيه وإذا كنت قد تجاوزته فأنا لاأستكبر عليه، وبقيت مخلصاً لناسه أعمل، على الأقل في كتاباتي، على تحريرهم من ذلّه- أثرت طفولتي في أعمالي قطعاً، فأبي وأمي وإخوتي وبعض رفاقي وأبناء حيّي موجودون في أعمالي كما هم موجودون من رافقوني في مراحل حياتي اللاحقة.
- تبوأت منصب مدير المركز الثقافي في مصياف وكان يقال عن المركز آنذاك أنه «يغلي غلي» فما هي مميزات تلك الفترة؟
- استلمت إدارة المركز الثقافي وكنت رئيساً ولم أكن مديراً، منذ البداية عاهدت نفسي أن أكون مخلصاً لعملي، وبناء عليه وعلى الحركة الثقافية التي كانت تضج بها سورية في السبعينيات بنيت علاقات مع المثقفين في البلد، هم أخلصوا للثقافة بمعناها العام، وأنا أخلصت لها في مصياف،، منذ البداية عملت على أن يكون المركز للجميع وليس لناس دون ناس، وعلى مختلف الأصعدة، الناس تعاملوا مع المركز بإخلاص فترسخت علاقة بين المثقفين في البلدة والمركز وأصدقاء المركز من المفكرين والأدباء العرب وغير العرب، وأزعم أنها كانت علاقة على قدر عالٍ مما يجب أن تكون عليه العلاقات، لم تكن مساحة المركز تتجاوز المئة وخمسين متراً، لكنني قبلت الأمر، وعملت من خلال العلاقات التي كنت قد نسجتها في أثناء وجودي في دمشق مع المثقفين على أن أجعل من تلك المساحة الصغيرة عالماً فسيحاً، عالماً للكلمة، وعالماً للوحة، وعالماً للسينما، والمسرح والموسيقى، عالماً يتسع باتساع الحوار واتساع الفكرة، فكان أن نظمنا الندوات الفكرية والأدبية والتشكيلية والمسرحية والموسيقية، وأقمنا الأماسي الشعرية والموسيقية، أسسنا في عام 1982 كما أذكر مهرجان مصياف الأدبي، وكان مخصصاً بشكل أساسي لأدباء مصياف، من كل الأعمار لكنه كان على الأخص للكتاب الجدد، التفت فيه الأجيال الأدبية، كنتِ تجدين ابن أو ابنة السابعة عشر إلى جانب السبعيني وأحياناً الثمانيني، خلقنا جواً من التواصل والود، أعتقد أنه كان مثالاً يحتذى، وأعتقد أنه مستمر إلى يومنا هذا، فمصياف استقبلت منذ الثمانينات أحمد فؤاد نجم ومظفر النواب وسعدي يوسف واستقبلت الطيّب تيزيني وأحمد برقاوي ويوسف سلامة، استقبلت مفكرين من الوطن العربي ومن إسبانيا، استقبلت المستعرب الكبير خسوس ريوساليدو وماريّا خيسوس بيغرا وعالم الآثار فرناندو فرناندث، استقبلت من لاأريد أن أستطرد في ذكرهم وهم كثيرون.
- الموضوعات التي تناولتها في نتاجك الأدبي- شعر أو قصة قصيرة أو رواية هل كانت مستوحاة من واقع عشته أم كان للخيال نصيب فيها؟
- الموضوعات التي تناولتها في قصصي وشعري، هي موضوعات الحب والكرامة والقلق عند الناس. كثيراً ماتجدين في قصصي شخصيات لاتمثلني لكنها موجودة في الواقع، ووجودها في الواقع ليس كوجودها في العمل الأدبي، الواقع في العمل من صنع الكاتب، والواقع في الواقع من صنع المجتمع ساسةً ومثقفين ومهنيين وأنصاف أنصاف من هذا وذاك.
- الأسرة والمنزل ومصياف بكل تفاصيلها الصغيرة كانت حاضرة في كتاباتك، نريد أن نتحدث عن اهتمامك بمصياف، وهل بادلتك هذا الاهتمام؟
- مصياف هي الركن الذي نشأت فيه، فيه أحببت وفيه صادقت وفيه عملت، لذلك فوجود هذا الركن في أعمالي شيء طبيعي، في أعمالي تركيز على الحب ليس بقصدية الخارج بل بتلقائية الداخل ، الوجدان القائم على الحب، على المعرفة التي تدرك أن الحب قادر على أن يحوّل الظلم إلى عدل والعدل إلى سماحة في الروح وفي الحياة وليس إلى الانتقام وتبادل المواقع.
تسألينني عما إذا كانت قد بادلتني مصياف هذا الحب فأقول: نعم، لأن المغرضين والمفترين إذا ماتركتهم يسيطرون على تفكيرك يجعلونك تتخيلين وتتوهمين أن العالم كراهية ومكر وخداع وانتقام، وهذا وذاك موجود في الحياة لكنه ليس الحياة، بل الموت، الحياة حب وصفاء وارتقاء هي بحث عن الحسن والأحسن وليس عن تدمير الآخر أياً كان هذا الآخر، لي صداقات وأصدقاء في مصياف هي جزء من شخصيتي، أصدقاء لي رحلوا: ممدوح عدوان، حامد خليل، طه الشيخ حسن، أحمد سليمان معروف، سليمان سليمان، علي باشا، لا أشعر أنهم ماتوا، فهم موجودون في وجداني وكياني، يملؤون عالمي كما يملؤه الأحياء الذين ألتقيهم وأعيش معهم وبينهم.
- درست الأدب الاسباني في مدريد وعدت إلى بلدك ثم ندبت عام 2004 لتأسيس المركز الثقافي السوري في إسبانيا، فهل خلقت فترة دراستك ظروفاً ساعدتك في تأسيس المركز؟
- بالنسة لتأسيس المركز الثقافي السوري في مدريد، فلاشك أنّه كان لتلك العلاقات أثر كبير جداً في تحقيق النجاح السريع في التواصل، فقد حصل المركز الثقافي العربي السوري في عام 2006 ولم يكن قد مضى على تأسيسه سنة ونصف- على شهادة تقدير كأحسن مركز يبني جسور الحوار والتواصل في مدريد، وكان ذلك من قبل مؤسسة الشعب الجديد.
واستطعنا أن نقيم أشهراً ثقافية، ونشيد الحدائق النحتية في مدينة عبد الرحمن الداخل «المنكّب» بفضل تعاون الفنانين السوريين وعلى رأسهم أكثم عبد الحميد وطلال معلا والموسيقي هامس بيطار، هذه الملتقيات الثقافية التي يجب أن تستمر وتمتد على مدن إسبانية أخرى في الأعوام القادمة هي جسور حقيقية، جسور بنتها جهود شخصية، أما على مستوى المؤسسات فهي مازالت ضعيفة، فلو اعتمدنا على مؤسساتنا ماكنّا لنستطيع أن نحقّق الحدائق النحتية، وماكنّا لنستطيع أن ننقل نشاطاتنا إلى أماكن خارج بناء المركز وخارج العاصمة إلى مقاطعات أخرى
ـــــــــــــــــــــ
يتبع ..