نسمة باردة عانقت وجنتي لحظة خروجنا من مدخل البناية التي نقطن في امارة أبوظبي، ( لأننا في بداية الشهر الحادي عشر من السنة ودرجة الحرارة تكون عند الصباح ربيعية النسمات فيروزية النغمات ).
جلس أولادي الثلاثة على المقعد الخلفي كعادتهم بعد أن وضعوا حقائبهم في صندوق السيارة .
جلست بجانبي زوجتي وأم أولادي ورفيقة مشوار أحلامي ( وكلمة أحلامي ليست أنانية مني بل لأني لم أشعر يوما أيا منا حاول التفلت من عبء الآخر عليه لتحقيق حلمه الخاص، لأن الأحلام توحدت مع سرعة حركة الأيام في غربتنا تارة ، ومع ثقلها تارة أخرى..).
الساعة هي السادسة وعشرون دقيقة صباحا .. الشمس لمّا تشرق بعد، فهي تستعد لارسال خيوطها الذهبية عبر بعض الغييمات التي لا تنذر بأي مطر قادم.. ( على الأقل هذا اليوم ).
رحلتي اليومية الى المدارس الثلاثة انطلقت...
كعادتنا تبادلنا الحديث عن التحضير للمذاكرت، وتنهال الوعود مني بمكافآت مجزية لمن يحصل على العلامة التامة، قد تصل أحيانا الى ألف درهم.
.. ساد السيارة صمت بعد أن غادرها الأولاد، الا من صوت فيروز الذي يسكن صدري كطعم قطع الكيوي المبرّد، وزوجتي بجانبي تسافر بعينيعها مع هدوء البحر على كورنيش أبوظبي، الذي كسرت أمواجه بكاسر من صنع البشر..
قطعت صمتها واستدرت وجهها باتجاهي دون أن أطلب منها ذلك، عندما سألتها: ماذا عن السنة القادمة بخصوص الدراسة الجامعية لكرم؟
جوابها كان سؤالا: هل تريده أن يعيش في الغربة؟
ابتسمت .. ضحكت .. تدلت دمعة .. اثنتان.. تزاحم الدمع ..
وفيروز تتابع: ( معقول الفراق يمحي أسامينا.. ونحن سوا سوا ربينا ).
بكل تأكيد لا.. لاأريده أن يعيش في الغربة، لأنني لن أرسله الى أي من الجامعات الأوربية، أو الأمريكية، أو حتى...
أريده أن يتابع تحصيله العلمي في الجامعة التي تخرجنا منها أنا وأنت .. جامعة حلب، الجامعة التي لن أنكر فضلها علينا..
لم أنسى بعد.. يوم ذهبت للتقدم بطلب المفاضلة الجامعية لاختيار الكلية التي أرغب في دراستها، رغبتي كانت كلية التجارة رغم العلامات التي تؤهلني لدراسة أيا من فروع الهندسة، يومها تعرفت على كلمة زميل التي تستخدم في هذا الصرح العلمي وعشقتها، ويومها تعرفت على الفتاة التي لم ولن أحب غيرها رغم كل الظروف التي مرت بنا، ورغم التغير في الزمان والمكان.
- هل تتذكرين تلك الفتاة يا زوجتي العزيزة..؟
- نعم .. أحببتها لشدة تعلقك بها.!
امتزجت تراتيل الضحكات التي صدرت .. أمسكت بيدها بقوة ..
( انت وانا درنا عكل البواب .. حبينا وكبرنا بموسم العناب(
- سوف يعيش الولد في الغربة ويبتعد عنا..!!
- وهل عودته الى بلده غربة..؟
تذكري أن الناس في بلدنا لن تجعله يعيش الغربة فيها ..
لو احتاج أي مساعدة سوف يجد بجواره جارنا أبو محمد وأبو أحمد وأم جوزيف..
اذا ضاقت به الظروف سوف يجد السمان سليم، واللحام حسن، والحلاق عمر..
ولاتنسي أعمامه وعماته وأخواله وخالاته..
يكفي أنه سوف يعيش بين زملائه في الجامعة ويشاركهم حب الوطن .. ويشاركهم أسلوب العيش المتأقلم مع كافة الظروف.
سوف يتبادل معهم الوفاء للبلد الذي عاش فيه حتى حصل على الشهادة الثانوية وعشق تراب الوطن الذي لن يبخل في اعطائه فرصة الحصول على الشهادة الجامعية والدراسة بأقل التكاليف، سوف ينهل من ينبوع عاداتنا وتقاليدنا، سوف يتعرف بنفسه على تاريخنا ويتلمس سخاء حضارتنا، سوف يفخر أنه ينتمي الى تاريخ عريق .. مجيد..
زوجتي كانت تشاركني الرأي في أن الدراسة الجامعية كلها جيدة وأن خصم نسبة العشرة بالمئة من المجموع العام هي ضريبة يدفعها أبناء المغتربين في دول الخليج، وأن قضية الاختيار لبعض الاختصاصات دون غيرها سببه عدم ادراك البعض أن الوطن يحتاج الى كل الاختصاصات، وأن فرص النجاح في الحياة العملية ليست حكرا على اختصاص دون غيره، بل يعتمد على التوفيق من الله أولا، ومن ثم على المهارات العملية التي يتملكها الفرد من تراكم الخبرات العلمية والعملية.
ولعل من أبرز الأمثلة هنا أن مالك ومؤسس واحدة من أكبر شركات تصنيع وتجارة الألبسة الجاهزة في الامارات العربية المتحدة يحمل شهادة الدكتوراة في الصيدلة.
اتفقنا أنا وزوجتي على ارسال ولدنا الى بلدنا .. وكلنا ثقة في بلدنا وأبناء بلدنا، مهما كانت الصعوبات التي سوف تعترضه، ( سوف يتجاوزتلك الصعوبات بمساعدتهم )، لأن من يعيش في وطنه لايغلب أبدا..
وأن التعليم في بلدنا أفضل ألف مرة من التعليم في الجامعات الخاصة خارج الوطن..
وأن أبناؤنا نحن المغتربين يجب أن يعودوا الى وطنهم ليعطوا ويأخذوا كأي مواطن يعرف معنى أن الوطن معطاء وأن الوطن غال.
جلس أولادي الثلاثة على المقعد الخلفي كعادتهم بعد أن وضعوا حقائبهم في صندوق السيارة .
جلست بجانبي زوجتي وأم أولادي ورفيقة مشوار أحلامي ( وكلمة أحلامي ليست أنانية مني بل لأني لم أشعر يوما أيا منا حاول التفلت من عبء الآخر عليه لتحقيق حلمه الخاص، لأن الأحلام توحدت مع سرعة حركة الأيام في غربتنا تارة ، ومع ثقلها تارة أخرى..).
الساعة هي السادسة وعشرون دقيقة صباحا .. الشمس لمّا تشرق بعد، فهي تستعد لارسال خيوطها الذهبية عبر بعض الغييمات التي لا تنذر بأي مطر قادم.. ( على الأقل هذا اليوم ).
رحلتي اليومية الى المدارس الثلاثة انطلقت...
كعادتنا تبادلنا الحديث عن التحضير للمذاكرت، وتنهال الوعود مني بمكافآت مجزية لمن يحصل على العلامة التامة، قد تصل أحيانا الى ألف درهم.
.. ساد السيارة صمت بعد أن غادرها الأولاد، الا من صوت فيروز الذي يسكن صدري كطعم قطع الكيوي المبرّد، وزوجتي بجانبي تسافر بعينيعها مع هدوء البحر على كورنيش أبوظبي، الذي كسرت أمواجه بكاسر من صنع البشر..
قطعت صمتها واستدرت وجهها باتجاهي دون أن أطلب منها ذلك، عندما سألتها: ماذا عن السنة القادمة بخصوص الدراسة الجامعية لكرم؟
جوابها كان سؤالا: هل تريده أن يعيش في الغربة؟
ابتسمت .. ضحكت .. تدلت دمعة .. اثنتان.. تزاحم الدمع ..
وفيروز تتابع: ( معقول الفراق يمحي أسامينا.. ونحن سوا سوا ربينا ).
بكل تأكيد لا.. لاأريده أن يعيش في الغربة، لأنني لن أرسله الى أي من الجامعات الأوربية، أو الأمريكية، أو حتى...
أريده أن يتابع تحصيله العلمي في الجامعة التي تخرجنا منها أنا وأنت .. جامعة حلب، الجامعة التي لن أنكر فضلها علينا..
لم أنسى بعد.. يوم ذهبت للتقدم بطلب المفاضلة الجامعية لاختيار الكلية التي أرغب في دراستها، رغبتي كانت كلية التجارة رغم العلامات التي تؤهلني لدراسة أيا من فروع الهندسة، يومها تعرفت على كلمة زميل التي تستخدم في هذا الصرح العلمي وعشقتها، ويومها تعرفت على الفتاة التي لم ولن أحب غيرها رغم كل الظروف التي مرت بنا، ورغم التغير في الزمان والمكان.
- هل تتذكرين تلك الفتاة يا زوجتي العزيزة..؟
- نعم .. أحببتها لشدة تعلقك بها.!
امتزجت تراتيل الضحكات التي صدرت .. أمسكت بيدها بقوة ..
( انت وانا درنا عكل البواب .. حبينا وكبرنا بموسم العناب(
- سوف يعيش الولد في الغربة ويبتعد عنا..!!
- وهل عودته الى بلده غربة..؟
تذكري أن الناس في بلدنا لن تجعله يعيش الغربة فيها ..
لو احتاج أي مساعدة سوف يجد بجواره جارنا أبو محمد وأبو أحمد وأم جوزيف..
اذا ضاقت به الظروف سوف يجد السمان سليم، واللحام حسن، والحلاق عمر..
ولاتنسي أعمامه وعماته وأخواله وخالاته..
يكفي أنه سوف يعيش بين زملائه في الجامعة ويشاركهم حب الوطن .. ويشاركهم أسلوب العيش المتأقلم مع كافة الظروف.
سوف يتبادل معهم الوفاء للبلد الذي عاش فيه حتى حصل على الشهادة الثانوية وعشق تراب الوطن الذي لن يبخل في اعطائه فرصة الحصول على الشهادة الجامعية والدراسة بأقل التكاليف، سوف ينهل من ينبوع عاداتنا وتقاليدنا، سوف يتعرف بنفسه على تاريخنا ويتلمس سخاء حضارتنا، سوف يفخر أنه ينتمي الى تاريخ عريق .. مجيد..
زوجتي كانت تشاركني الرأي في أن الدراسة الجامعية كلها جيدة وأن خصم نسبة العشرة بالمئة من المجموع العام هي ضريبة يدفعها أبناء المغتربين في دول الخليج، وأن قضية الاختيار لبعض الاختصاصات دون غيرها سببه عدم ادراك البعض أن الوطن يحتاج الى كل الاختصاصات، وأن فرص النجاح في الحياة العملية ليست حكرا على اختصاص دون غيره، بل يعتمد على التوفيق من الله أولا، ومن ثم على المهارات العملية التي يتملكها الفرد من تراكم الخبرات العلمية والعملية.
ولعل من أبرز الأمثلة هنا أن مالك ومؤسس واحدة من أكبر شركات تصنيع وتجارة الألبسة الجاهزة في الامارات العربية المتحدة يحمل شهادة الدكتوراة في الصيدلة.
اتفقنا أنا وزوجتي على ارسال ولدنا الى بلدنا .. وكلنا ثقة في بلدنا وأبناء بلدنا، مهما كانت الصعوبات التي سوف تعترضه، ( سوف يتجاوزتلك الصعوبات بمساعدتهم )، لأن من يعيش في وطنه لايغلب أبدا..
وأن التعليم في بلدنا أفضل ألف مرة من التعليم في الجامعات الخاصة خارج الوطن..
وأن أبناؤنا نحن المغتربين يجب أن يعودوا الى وطنهم ليعطوا ويأخذوا كأي مواطن يعرف معنى أن الوطن معطاء وأن الوطن غال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كريم - أبوظبي
ٍٍSyria News