لا يستطيع أحد منّا إنكار دور السينما الكبير في حياتنا، وخاصة في الفترة التي سبقت اختراع التلفزيون، أو الفترة التي كان فيها اقتناء التلفزيون وقفاً على خاصة الشعب، ولا أحد منّا يستطيع إنكار دور السينما كونها وسيلة اتصال جماهيرية، ومؤثرة في شريحة واسعة من الناس، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية.
ولأهمية السينما كانت وقفتنا مع سينما مصياف، أو كما كانت تدعى (سينما النصر)، والذكريات التي بقيت من عبق الماضي عن السينما، فكانت مقصدنا، وأسئلتنا كانت تتمحور حول البدايات، الأفلام... الحضور... الإغلاق ... وغير ذلك..
ولكن الغريب في الأمر أنه عندما اجتمع عدد من كبار السن، وأردنا سؤالهم عن السينما تفرعت الإجابات، فالأول تحدث عن العيد والسينما... والثاني تحدث عن المسرحيات في دار السينما ... والثالث تحدث عن التلفزيون في دار السينما... والرابع تحدث عن لقاء الأدباء والشعراء فيها... والخامس تحدث عن الخطب السياسية التي كانت تلقى في صالة السينما وغيرها.
مبنى (سينما النصر) يعود لعائلة الشوباصي، والسيد غالب الشوباصي سيحدثنا عن بدايات السينما في مصياف.
غير رابحة مادياً ... ولكنها رابحة معنوياً واجتماعياً
كان المبنى في البداية فندقا، وكنت -والكلام للسيد غالب- أحب السينما، ومولعاً بها، وأذهب إلى حماة دائماً لمشاهدة عروض أفلام السينما، وفي إحدى المرات تعرضت لحادث سيارة في حماة عندما كنت عائداً من مشاهدة أحد الأفلام فقرر والدي -حسين الشوباصي- أن يفتح سينما في مصياف فكان الفندق، وبالفعل تم ذلك، وتم أيضاً الاتفاق مع أصحاب سينما الشرق في حماة -وهم مظهر الشيخ سعيد وأخوه- أن يديروا السينما لفترة من الوقت، وبهذا كان افتتاح سينما مصياف عام 1954م، واستمرت إدارة أصحاب سينما الشرق لمدة عام، وبعدها بدأت العمل فيها، وكان ثمن تذكرة الدخول في الصالة (25) قرشاً وفي البلكون (اللوج) (35) قرشاً، وبسبب الفقر الذي كان آنذاك، كان بعض الناس يدفع ثمن التذكرة شيئاً من منتوجات منزله (كالحليب والبيض...) حتى يستطيع حضور العروض في السينما، وأما عن العروض فكانت يومية، مسائية للرجال -عرض في الساعة السابعة وعرض في الساعة التاسعة- وكان للنساء عرضان في الأسبوع بعد الظهر.
وأما عن طريقة الإعلان عن الأفلام فكانت للنساء عن طريق شاب يدور في الحارات ومعه لوحة عليها بعض الصور من الفيلم المزمع عرضه، وأما -للرجال- فعن طريق لوحات توضع في السوق عن الفيلم، وعرضت في تلك الفترة أفلام عربية وأجنبية وهي بمجملها اجتماعية وبوليسية، ولا أتذكر العناوين ولكن أستطيع تذكر أسماء بعض الممثلين مثل:
عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، كمال الشناوي، سامية جمال وغيرهم.... الحضور كان كبيراً جداً، وكان في السينما حوالى (150) كرسياً ولكنني أستطيع أن أقول بأنها كانت غير مربحة مادياً ولكنها مربحة معنوياً واجتماعياً، وفي عام 1956م سافرت إلى بودابست للدراسة وتابع أخي -علي حسين الشوباصي- أعمال السينما.
أكملنا حديثنا عن السينما مع السيد أحمد علي الشوباصي عن الفترة التي كان فيها والده يدير السينما .
السينما .... ملتقى اجتماعي ثقافي
السيد أحمد قال: إن دار السينما لم تكن المكان الذي تعرض فيه الأفلام فقط، وإنما لعبت أدواراً أخرى، لأنها كانت متنفساً لجميع الشرائح وبمختلف الاختصاصات، فهي كانت سينما بالأفلام التي كانت تعرض فيها بشكل مستمر ومتجدد، وكنا نشتري الأفلام من سينما الشرق، ولا يتم عرضها إلا بعد موافقة من المركز الثقافي في مصياف، ومن الأفلام العربية التي عرضت: لحن الخلود، رصاصة في القلب، انتصار الشباب، موعد غرام... وأفلام دريد لحام بشكل كامل، وأفلام أجنبية مثل: ماسح الأحذية، من أجل حفنة من الدولارات، الكلاب الجريئة.... وتاريخية مثل: هرقل وما شيست... لكن من أكثر الأفلام مشاهدة كان فيلم (الفهد) في أوائل السبعينيات، وهو من بطولة أديب قدورة وإغراء، واستمر عرض الفيلم أكثر من عشرة أيام، ولم يستقطب جمهور مدينة مصياف فحسب وإنما حضره جمهور واسع من القرى المحيطة بمدينة مصياف، وكان كثير منهم يأتي إلى السينما سيراًعلى الأقدام، وقد زار السينما عدد من الفنانين ومنهم: ملك سكر، سعد الدين بقدونس، محمود جبر، أنور البابا وأما عن الأدوار الأخرى لدار السينما فقد كانت صالة للعروض المسرحية وذلك من خلال العروض الكثيرة التي قدمتها فرق محلية وكانت تنال الإعجاب والحضور دائماً.
وعندما يجتمع الناس في السينما ولا يكون عندنا أفلام جديدة فإننا نضع تلفزيوناً أمام الناس -في وقت كانت فيه أجهزة التلفزيون تعد على الأصابع في مصياف وكان الناس يشاهدون مسلسلات لدريد لحام على القناة الوحيدة التي كانت في التلفزيون.
وشهدت صالة السينما حفلات للعديد من المطربين الشعبيين مثل: ابراهيم صقر، فؤاد غازي، صالح رمضان، محمد الزرزوري بالإضافة للعديد من المطربين المحليين.
وأقيم في السينما أكثر من لقاء زجلي بين عدد من فناني الزجل.
وكانت السينما مكاناً للاحتفال وإلقاء الكلمات في جميع المناسبات الوطنية وللسينما في العيد جمال آخر حيث كان يتجمهر الناس في الشارع المحاذي للسينما ليس لحضور الأفلام فقط- والتي كانت تعرض من العاشرة صباحاً وحتى الثانية عشر مساءً بمناسبة العيد -وإنما كان هذا الشارع ملتقى للباعة الجوالين، ولألعاب العيد، وللقاء الناس بعضهم بعضاً.
كان هذا الواقع الذي عاشت فيه السينما، وعاش فيه جمهور السينما، فكانت بحق ملتقى اجتماعياً وثقافياً، ولكن أغلقت السينما عام 1979م وكان التلفزيون العامل الرئيسي لإغلاقها، فقد دخل إلى معظم المنازل، وهذا أدى إلى تناقص في عدد الكراسي في السينما.
أخيراً نتمنى أن نكون قد قدمنا عرضاً وافياً للمراحل التي مرت بها سينما النصر في مصياف، والتي جسدت لنا الزمن الجميل بكل ملامحه، وكنّا نتمنى لو أننا استطعنا دخول السينما، ولكن تعذّر علينا ذلك لأنها لم تفتح منذ ثلاثين عاماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول ..
ولأهمية السينما كانت وقفتنا مع سينما مصياف، أو كما كانت تدعى (سينما النصر)، والذكريات التي بقيت من عبق الماضي عن السينما، فكانت مقصدنا، وأسئلتنا كانت تتمحور حول البدايات، الأفلام... الحضور... الإغلاق ... وغير ذلك..
ولكن الغريب في الأمر أنه عندما اجتمع عدد من كبار السن، وأردنا سؤالهم عن السينما تفرعت الإجابات، فالأول تحدث عن العيد والسينما... والثاني تحدث عن المسرحيات في دار السينما ... والثالث تحدث عن التلفزيون في دار السينما... والرابع تحدث عن لقاء الأدباء والشعراء فيها... والخامس تحدث عن الخطب السياسية التي كانت تلقى في صالة السينما وغيرها.
مبنى (سينما النصر) يعود لعائلة الشوباصي، والسيد غالب الشوباصي سيحدثنا عن بدايات السينما في مصياف.
غير رابحة مادياً ... ولكنها رابحة معنوياً واجتماعياً
كان المبنى في البداية فندقا، وكنت -والكلام للسيد غالب- أحب السينما، ومولعاً بها، وأذهب إلى حماة دائماً لمشاهدة عروض أفلام السينما، وفي إحدى المرات تعرضت لحادث سيارة في حماة عندما كنت عائداً من مشاهدة أحد الأفلام فقرر والدي -حسين الشوباصي- أن يفتح سينما في مصياف فكان الفندق، وبالفعل تم ذلك، وتم أيضاً الاتفاق مع أصحاب سينما الشرق في حماة -وهم مظهر الشيخ سعيد وأخوه- أن يديروا السينما لفترة من الوقت، وبهذا كان افتتاح سينما مصياف عام 1954م، واستمرت إدارة أصحاب سينما الشرق لمدة عام، وبعدها بدأت العمل فيها، وكان ثمن تذكرة الدخول في الصالة (25) قرشاً وفي البلكون (اللوج) (35) قرشاً، وبسبب الفقر الذي كان آنذاك، كان بعض الناس يدفع ثمن التذكرة شيئاً من منتوجات منزله (كالحليب والبيض...) حتى يستطيع حضور العروض في السينما، وأما عن العروض فكانت يومية، مسائية للرجال -عرض في الساعة السابعة وعرض في الساعة التاسعة- وكان للنساء عرضان في الأسبوع بعد الظهر.
وأما عن طريقة الإعلان عن الأفلام فكانت للنساء عن طريق شاب يدور في الحارات ومعه لوحة عليها بعض الصور من الفيلم المزمع عرضه، وأما -للرجال- فعن طريق لوحات توضع في السوق عن الفيلم، وعرضت في تلك الفترة أفلام عربية وأجنبية وهي بمجملها اجتماعية وبوليسية، ولا أتذكر العناوين ولكن أستطيع تذكر أسماء بعض الممثلين مثل:
عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، كمال الشناوي، سامية جمال وغيرهم.... الحضور كان كبيراً جداً، وكان في السينما حوالى (150) كرسياً ولكنني أستطيع أن أقول بأنها كانت غير مربحة مادياً ولكنها مربحة معنوياً واجتماعياً، وفي عام 1956م سافرت إلى بودابست للدراسة وتابع أخي -علي حسين الشوباصي- أعمال السينما.
أكملنا حديثنا عن السينما مع السيد أحمد علي الشوباصي عن الفترة التي كان فيها والده يدير السينما .
السينما .... ملتقى اجتماعي ثقافي
السيد أحمد قال: إن دار السينما لم تكن المكان الذي تعرض فيه الأفلام فقط، وإنما لعبت أدواراً أخرى، لأنها كانت متنفساً لجميع الشرائح وبمختلف الاختصاصات، فهي كانت سينما بالأفلام التي كانت تعرض فيها بشكل مستمر ومتجدد، وكنا نشتري الأفلام من سينما الشرق، ولا يتم عرضها إلا بعد موافقة من المركز الثقافي في مصياف، ومن الأفلام العربية التي عرضت: لحن الخلود، رصاصة في القلب، انتصار الشباب، موعد غرام... وأفلام دريد لحام بشكل كامل، وأفلام أجنبية مثل: ماسح الأحذية، من أجل حفنة من الدولارات، الكلاب الجريئة.... وتاريخية مثل: هرقل وما شيست... لكن من أكثر الأفلام مشاهدة كان فيلم (الفهد) في أوائل السبعينيات، وهو من بطولة أديب قدورة وإغراء، واستمر عرض الفيلم أكثر من عشرة أيام، ولم يستقطب جمهور مدينة مصياف فحسب وإنما حضره جمهور واسع من القرى المحيطة بمدينة مصياف، وكان كثير منهم يأتي إلى السينما سيراًعلى الأقدام، وقد زار السينما عدد من الفنانين ومنهم: ملك سكر، سعد الدين بقدونس، محمود جبر، أنور البابا وأما عن الأدوار الأخرى لدار السينما فقد كانت صالة للعروض المسرحية وذلك من خلال العروض الكثيرة التي قدمتها فرق محلية وكانت تنال الإعجاب والحضور دائماً.
وعندما يجتمع الناس في السينما ولا يكون عندنا أفلام جديدة فإننا نضع تلفزيوناً أمام الناس -في وقت كانت فيه أجهزة التلفزيون تعد على الأصابع في مصياف وكان الناس يشاهدون مسلسلات لدريد لحام على القناة الوحيدة التي كانت في التلفزيون.
وشهدت صالة السينما حفلات للعديد من المطربين الشعبيين مثل: ابراهيم صقر، فؤاد غازي، صالح رمضان، محمد الزرزوري بالإضافة للعديد من المطربين المحليين.
وأقيم في السينما أكثر من لقاء زجلي بين عدد من فناني الزجل.
وكانت السينما مكاناً للاحتفال وإلقاء الكلمات في جميع المناسبات الوطنية وللسينما في العيد جمال آخر حيث كان يتجمهر الناس في الشارع المحاذي للسينما ليس لحضور الأفلام فقط- والتي كانت تعرض من العاشرة صباحاً وحتى الثانية عشر مساءً بمناسبة العيد -وإنما كان هذا الشارع ملتقى للباعة الجوالين، ولألعاب العيد، وللقاء الناس بعضهم بعضاً.
كان هذا الواقع الذي عاشت فيه السينما، وعاش فيه جمهور السينما، فكانت بحق ملتقى اجتماعياً وثقافياً، ولكن أغلقت السينما عام 1979م وكان التلفزيون العامل الرئيسي لإغلاقها، فقد دخل إلى معظم المنازل، وهذا أدى إلى تناقص في عدد الكراسي في السينما.
أخيراً نتمنى أن نكون قد قدمنا عرضاً وافياً للمراحل التي مرت بها سينما النصر في مصياف، والتي جسدت لنا الزمن الجميل بكل ملامحه، وكنّا نتمنى لو أننا استطعنا دخول السينما، ولكن تعذّر علينا ذلك لأنها لم تفتح منذ ثلاثين عاماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول ..
