لا أمانة للرّجال..!!
((قصّـــة واقعيّـــــــة))
كلّما تذكرت(راوية)المثل الذي كانت الجدّة تردّده على مسامعها، عند كلّ لقاء يجمعهما ،علمت أنّ الجدّة كانت على حقّ،وأنّ مثلًَها الذي ينطق بالحكمة ويقول:( يلّي مأمنّة الرّجال،مثل المأمنّة المي بالغربال)لم يأت من فراغ،بل أتى نتيجة تجربة وخبرة عاشتها الجدّة،وذاقت من أهوالها الأمريّن،فالجدّة على الرّغم من معاملتها الحسنة لزوجها،وإطاعتها كزوجة مخلصة، ووفيّة له، ولبيتها،ورغم وقوفها إلى جانبه في السّراء والضرّاء،ورغم تكرار الجدّ مراراً في حضورها وغيابها القول:بأنّه سوف يظلّ مخلصاً لأمّ أولاده،وأنّه لن يتزوّج عليها امرأة ثانية،ويأتي بضرّة عدوّة لها...مدى حياته..!!
إلا أنّ الجدّ نكث بوعوده،ونسي ماردّده على مسامع الجدّة،وبادر من أوّل فرصة سنحت له، بعقد قرانه على امرأة ثانية،محتجّاً أنّ أعماله الزراعية تحتاج إلى امرأة ثانية، تساعده في خدمة الأرض،حجّة واهية لأهل الرّيف، عندما يقدمون على تعدّد الزوجات،ولكنّ الجدّة صبرت على زوجها ،ولم تخرب بيتها بيدها، بطلبها الانفصال عن الزوج الغادر بل رضيت بقسمتها،ولازمت بيتها تربّي أولادها،وتهتّم ببناء مستقبلهم،رغم أنّ نار الغيرة، والكراهية كانت تتأجّج بين ضلوعهان نحو زوجها الغير وفي من جهة، ونحو ضرّتها عدوّتها من جهة ثانية،لدرجة كانت تتمنّى فيها أن تشدّ على عنقيهما حبلاً،وتخنقهما في ليلة ليلاء.. حتّى الموت..!!ومرّت الأيّام..ودارت عجلة السّنين..ونسيت الجدّة حقدها عليهما،وتآخت مع ضرّتها،وأخذت تعطف على زوجها، وتقف إلى جانبه في أيّامه الأخيرة، وتعامله معاملة حسنة أكثر ممّا كانت عليه في أيّام الشباب،لسبب بسيط، أنّها كانت امرأة فاضلة، أصيلة.. وقفت إلى جانب زوجها عندما أقعده المرض، واحتاج إلى مساعدتها..!!
أخذت رواية تذرف دموعها السّخيّة أمامي، وهي تسرد قصتها على مسامعي،نادبة حظّها مردّدة مثل جدّتها(:( يلّي مأمنّة الرّجال،مثل المأمنّة المي بالغربال)بشيء من الحسرة، والنّدم ،حين لاينفع النّدم.
قالت راوية:ياليت قصّتي مع زوجي الخائن، تكون كقصّة جدّتي، مع جدّي، التي فيها شيء من الوفاء والأمانة، والإحساس بالإلفة، والعشرة،بين زوجين أحبّا بعضهما في مرحلة من مراحل زواجهما،ثم نكث أحدهما بوعوده،فسامحه الطرف الآخر، ولم يعامله بشرّ أعماله..وهذا منتهى الوفاء في العلاقة الزّوجية برأيها.ولكنّ قصتي مختلفة كلّ الاختلاف عن قصة جدّتي مع جدّي العجوز، ولو أنّ الحكمة منهما واحدة..أخذت راوية شهيقاً طويلاً ،لتملأ صدرهاالمظلم من كثرة الحزن، بالهواء النّقي،ثمّ تابعت راوية رواية قصّتها:عرفته شاباً طموحاً،جاداً في عمله،وكنت أشاركه ذلك العمل،وكنّا سوية، ندير مشغلا لخياطة الألبسة الجاهزة في أحد أحياء دمشق، كنت ساعده الأيمن في ذلك المشغل،ثمّ طورناعملنا وأخذنا نصنع الجزادين والحقائب النّسائيّة ،وكنت أروّج في مدينتي لتلك البضاعة،وأبيعها لي، وله شراكة،ثمّ تطوّرت علاقة العمل بيننا إلى الحبّ، وطلبني للزواج،ولكنّ أهلي عارضوا ذلك الطلب بشدّة،لأنّهم لايعرفون شيئاً عنه، وعن عائلته،وكانت المرحومة أمّي(أمّ راوية) تقول لي:(من يأخذ من غير ملّته،يموت بعلّة غير علّته)وكنت آنذاك أضحك لمثلها هذا، وأقول:(كلّنا أولاد آدم وحواء.. )وأيّ رجل أتزوجّه، سوف يصبح ابن عمّي، سواء أكان يقربني أم لا..!!
وأمام رفض أهلي لهذا الشاب ،لجأت إلى الجدّة التي تحدّثت عن قصّتها،وطلبت منها المساعدة في إقناع أبي، وأمي على الزّواج من شريكي في العمل،وكنت أعرف مكانة الجدّة عندهما،ومدى احترامهما وإطاعتهمتا لها،وفعلا تدّخلت الجدّة،وتمّت موافقة الوالدين على مضض وكراهية.
تزوجنا في دمشق واستأجرنا في البداية بيتاً صغيراً جعلناه عشّ الزّوجية لكلينا. كان أحمد شاباً مهذباً وعاملني معاملى طيّبة إلى أن أخذت أمّه(أي حماتي) وأخته العانس(ابنة حماي) تتدخلان في حياتنا وشؤوننا الزوجية،وكانتا تكرهانني ،لأنّ الابن لم يحقّق رغبة الأمّ بالزواج من قريبتها الشاميّة،ومع ذلك فإنّ كراهيتهما لي، لم تؤثر على علاقة زوجي بي،وبقي يحبّني ويعاملني معاملة طيّبة،وأثمرت هذه العلاقة الزوجية عن إنجاب طفلتين ،أخذت أهتمّ بتربيتهما،ونسيت حقد وكراهية حماتي لي التي لم تيأس في زرع الضغينة والحقد في قلب ابنها نحوي،إلى أن تحقّق لها ما أرادت من شرّ،وأثمر سعيها الشرّير..الذي يشبه سعي إبليس لردع رجل مؤمن من عبادة خالقه،وزجره عن الإيمان..!!أو يؤمّن لأفعى سامّة،فيجعلها تقيم في منزله،
وهنا لافرق بينها، وبين إبليس والأفعى السّامة في ارتكاب الإثم، والشرّ بحقي ،ونفث سمومها، وإلحاقّ الأذى بطفلتيّ الصغيرتين..!!
وتابعت راوية:كان ذلك عندما تساعدت أنا وزوجي في شراء قطعة أرض صغيرة، سجّلها أحمد باسمه،ثمّ بدأنا في تشييد مسكننا عليها،وقد عملت جهدي لكي أنهي بناء هذا البيت ،لأنّه كان في منطقة زراعية،غير مسموح بالبناء فيها،ولكنّنا اشتغلنا ليل نهار حتّى أنجزنا بناءه،ساعدني في ذلك أخوتي الذين كان منهم الدّهان، وعامل الكهرباء،والبلاط،المهمّ أنجزنا البناء وسكنا فيه،ومنذ ذلك الوقت بدأت معاملة زوجي تتغيّر تجاهي شيئاً.. فشيئاً،وأخذ يحتجّ نحوي بأشياء واهية،وأخذت أمّه تزرع الشكوك في نفسه،وتقول له:غداً تطردك من البيت، وتستقلّ به لنفسها ولطفلتيها،طلّقها وأنا أزوّجك بأفضل منها،طلّقْها لأنّها لم تنجب لك إلا البنات، وأنا أزوجك بأخرى، تنجب لك الولد الخلف..!!بع هذا البيت، واشتر بثمنه بيتاً، بمكان آخر ،واطردها هي وابنتاها إلى أهلها..فهي غريية عنّا ..وتبقى غريبة عنك..!!وطبعاً كانت الأخت السّاحرة الشريرة تساعد أمّها في ممارسة الضغوط على الابن البار المطيع..إلى أن خضع أحمد لضغوطهما،ففي ليلة موحشة ظلماء، عمد أحمد على اصطناع مشاجرة معي،وقال:منذ الصباح ترحلين مع ابنتيك إلى أهلك..ولاتعودين إلى هذا البيت مهما حدث لك..!!واضطرّيت للدفاع عن نفسي والرّدّ عليه قائلة:إنّ كنت تظنّ أنّ أهلي سوف يتخلّون عنّي، وعن ابنتيّ في موقف كهذا، فأنت مخطىء،وإنّني واثقة من أنّهم سوف يقفون إلى جانبي ، ويدافعون عنّي،وسوف يتصدّون للتصرّف الجبان لنذل من أمثالك..!!ثمّ تابعت راوية سرد قصّتها:رحلت جيوش الظلام،وانقشع ضوء النّهار،وآن لي أن أواجه الحقيقة المرّة التي حذّرني أهلي منها منذ البداية ،حملت طفلتيّ في الصباح، ورحلت تاركة كلّ شيء بنيته، واشتريته له،استقبلني أهلي، واحتضنوني، وكأنّهم لم يتفاجؤوا بعودتي إليهم،ولكنّ أخوتي أرادوا أن يعرفوا سبب طرده لنا..!!،فسافروا إليه،ولكن.. وجدوه قد باع البيت الذي بنيناه سويّة،وقال لأخوتي دون حياء أو خجل:أختكم طالق،وقريباً سوف تصل إليها ورقة التّفريق..!!بعدها تيقّنت أنّ كلام الجدّة صحيح،بأنّ الرّجال ليس لهم أمانة،وأنّ(المأمّنة الرّجال مثل المأمّنة المي بالغربال..)..وهنا توقفّت راوية عن الكلام،وعضّت على شفتيها،وشدّت بكلّ قوّة أعصابها،فنزفت الآلام من جسدها،وتغضّن جبينها،وأعطاها مظهر وجهها الكئيب عتيّاً من العمر،فبدت وكأنّها أكبر من عمرها الحقيقي بكثير..!!وأتعبها عسف الرّجال،وممّا زاد من غيظها،أنّ البيت الذي بنته بيديها لبنة... لبنة،يسكنه اليوم قوم غرباء،لقد باعه هذا الزّوج الخائن،وقبض ثمنه بضعة ليرات، صرفها على عهر أمّّه وأخته وفجورهما،صحيح أنّ الشيء الذي لا تتعب فيه الأيادي،لاتحزن عليه القلوب..!! بكلّ بساطة لقد باعوا البيت الذي تعبت في بنائه أنا وأخوتي، وقبضوا ثمنه دون أن يراود شعورهم أيّ ذنب..لأنّهم لم يبذلوا أيّ جهد،ولم ينفقوا من جيوبهم أيّ مبلغ لتشييده..!!ندبت راويةسوء طالعها،ولؤم حماتها،وأخذت الدّموع تسحّ من عينيها، غير أنّها أحسّت في لحظة ما، أنّ الدّموع سلاح المرأة الضعيفة،وهي لاتريد أن تكون إلا المرأة القويّة في وجه العاصفة الشرّيرة التي تتقاذفها..!!
كفكفكت راوية دموع النّدم والحسرة عن خديّها المدميين من لوعة الأسى، والحزن،وضمدّت جراح الخيانة،وقالت بشيء من الشجاعة والقوّة:لن أيأس وسوف أظلّ أطارد ذلك الجبان،وأطالبه بالنّفقة عن ابنيته،وعندما يقصّر، أدفع دم قلبي، لأودعه السجن،عقاباً على خيانته الزوجية،ونكراناً لأبوّته لابنتيه اللتين سوف أظلّ أعمل، وأسهر ليل نهار على تربيتهما وتعليمهما، ونسيانهما لذلك الأب الجاحد،وناكر الجميل، وسوف أغرس في نفسيهما، أنّ أباهما قد مات، منذأن باعهما بثمن بخث، منسوج من ثياب محبوكة، بسمّ الغدر والخيانة..
أكبرت في راوية إصرارها على مواصلة تربيتها لابنتيها الصّغيرتين،ولكن لم أتفق معها في غرس الحقد والكراهية في قلبي طفلتيها..اللتين ربّما في يوم من الأيّام ـ لاسمح الله ـ تصادفان رجلاً لاأمانة له كأبيهما ،ويحدث لهما كما حدث مع أمّهما،فتتصرفان تصرّفاً حكيماً أفضل من تصرّف والدتهما..ولاتخسران ما خسرته في حياتها بسبب رعونة، وجهل أب كان زواجها منه من البداية مبنيّاً على عدم التكافؤ، وعلى شيء من العاطفة،لا العقلانية، والترّوي والتمحيص في هويّته، وأصله، وفصله،..كان الله في عون راوية لكي تواصل الكفاح من أجل تربيتها لابنتيها ،حتى تكونان عضوتين نافعتين، لاحاقدتين في مجتمع يأكل فيه القويّ الضعيف،ويضيع الحقّ بجريرة الباطل..!!
عزيزي القارىء: هكذا ينقلب عمل الخير مع من لايستحقّه شرّاً،ولقد ورد في المثل العربي):اتقّ شرّ من أحسنت إليه..!!)وراوية لم تفعل إلا الخير عندما وثقت في زوجها، و بنت له بيتاً،وأنجبت منه طفلتين،ولكنّه قابل خيرها بالشرّ،عندما نبذها وطلّقها وتركها وحيدة في مهبّ الرّياح العاصفة ،تعيل ابنتيها،
عاودت راوية العمل في مهنة الخياطة،ولم تيأس ورفضت تسليم ابنتيها لسكين الجزّار،وهي اليوم تدفع شرّه عنها،بمواصلة الشكوى عليه،وسجنه في حال تقصيره دفع نفقة ابنتيها،ولقد سجنته فعلاً،ولكن لم ترو غليلها منه،لقد ولّد شلال الحقد في نفسها على زوجها،طوفاناً من الحقد على الرّجال،وأمنت بحكمة جدّتها المجرّبة،أن لاأمان للرّجال(يممأمّنة الرّجال مثل المأمّنة المي بالغربال)..!!.
نظرت إلى راوية نظرة إشفاق، وعطف، وهي تفتح ذراعيها، وتبتهل إلى الله عزّ وجلّ، بالدّعاء على زوجها وأسرته،فالمرأة المهيضة الجناح،ليس لها إلا الدّعاء في مواجهة شرّ يحيق بها،ولا تستطيع دفع أذاه عنها.
وتبعت راوية كلامها، وهي في ذروة غضبها:لن أسامح ذلك الرّجل الخائن،كما سامحت جدّتي، جدّي عندما تزوّج عليها،على الأقلّ، كان جدّي وفيّاً لها،عندما أبقاها كزوجة ثانية،ولم يطلّقها،وهي كانت عاقلة لم تغادر بيتها وتطلب الطلاق منه، ورضيت بقسمتها،أما أنا فقد كنت أظنّ.. عندما تركت بيتي، أنّ العشرة والحبّ لن تنسيه زوجته وطفلتيه..!!،ولكن يبدو أنّ ابن الحلال ،هو فقط من لاينسى العشرة والحبّ،لا..ابن الحرام..!!
وختمت راوية قصتها بالقول:إنّ في قصتّي عبرة وعظة لكلّ امرأة تقدم على الزواج من رجل غريب،عليها أن تبحث في تاريخه، وتاريخ أسرته عن كلّ صغيرة وكبيرة،وعليها أن تضع الشرّوط التي تضمن حقوقها مستقبلاً،وأن لاتأمن من زوج المستقبل،لأنّه..وبرأيها،وحسب تجربتها، لاأمانة للرّجال الغادرين،في هذا العصر،وفي كلّ عصر..!!
حيدر حيدر
سلمية في /12/1/2011/
((قصّـــة واقعيّـــــــة))
كلّما تذكرت(راوية)المثل الذي كانت الجدّة تردّده على مسامعها، عند كلّ لقاء يجمعهما ،علمت أنّ الجدّة كانت على حقّ،وأنّ مثلًَها الذي ينطق بالحكمة ويقول:( يلّي مأمنّة الرّجال،مثل المأمنّة المي بالغربال)لم يأت من فراغ،بل أتى نتيجة تجربة وخبرة عاشتها الجدّة،وذاقت من أهوالها الأمريّن،فالجدّة على الرّغم من معاملتها الحسنة لزوجها،وإطاعتها كزوجة مخلصة، ووفيّة له، ولبيتها،ورغم وقوفها إلى جانبه في السّراء والضرّاء،ورغم تكرار الجدّ مراراً في حضورها وغيابها القول:بأنّه سوف يظلّ مخلصاً لأمّ أولاده،وأنّه لن يتزوّج عليها امرأة ثانية،ويأتي بضرّة عدوّة لها...مدى حياته..!!
إلا أنّ الجدّ نكث بوعوده،ونسي ماردّده على مسامع الجدّة،وبادر من أوّل فرصة سنحت له، بعقد قرانه على امرأة ثانية،محتجّاً أنّ أعماله الزراعية تحتاج إلى امرأة ثانية، تساعده في خدمة الأرض،حجّة واهية لأهل الرّيف، عندما يقدمون على تعدّد الزوجات،ولكنّ الجدّة صبرت على زوجها ،ولم تخرب بيتها بيدها، بطلبها الانفصال عن الزوج الغادر بل رضيت بقسمتها،ولازمت بيتها تربّي أولادها،وتهتّم ببناء مستقبلهم،رغم أنّ نار الغيرة، والكراهية كانت تتأجّج بين ضلوعهان نحو زوجها الغير وفي من جهة، ونحو ضرّتها عدوّتها من جهة ثانية،لدرجة كانت تتمنّى فيها أن تشدّ على عنقيهما حبلاً،وتخنقهما في ليلة ليلاء.. حتّى الموت..!!ومرّت الأيّام..ودارت عجلة السّنين..ونسيت الجدّة حقدها عليهما،وتآخت مع ضرّتها،وأخذت تعطف على زوجها، وتقف إلى جانبه في أيّامه الأخيرة، وتعامله معاملة حسنة أكثر ممّا كانت عليه في أيّام الشباب،لسبب بسيط، أنّها كانت امرأة فاضلة، أصيلة.. وقفت إلى جانب زوجها عندما أقعده المرض، واحتاج إلى مساعدتها..!!
أخذت رواية تذرف دموعها السّخيّة أمامي، وهي تسرد قصتها على مسامعي،نادبة حظّها مردّدة مثل جدّتها(:( يلّي مأمنّة الرّجال،مثل المأمنّة المي بالغربال)بشيء من الحسرة، والنّدم ،حين لاينفع النّدم.
قالت راوية:ياليت قصّتي مع زوجي الخائن، تكون كقصّة جدّتي، مع جدّي، التي فيها شيء من الوفاء والأمانة، والإحساس بالإلفة، والعشرة،بين زوجين أحبّا بعضهما في مرحلة من مراحل زواجهما،ثم نكث أحدهما بوعوده،فسامحه الطرف الآخر، ولم يعامله بشرّ أعماله..وهذا منتهى الوفاء في العلاقة الزّوجية برأيها.ولكنّ قصتي مختلفة كلّ الاختلاف عن قصة جدّتي مع جدّي العجوز، ولو أنّ الحكمة منهما واحدة..أخذت راوية شهيقاً طويلاً ،لتملأ صدرهاالمظلم من كثرة الحزن، بالهواء النّقي،ثمّ تابعت راوية رواية قصّتها:عرفته شاباً طموحاً،جاداً في عمله،وكنت أشاركه ذلك العمل،وكنّا سوية، ندير مشغلا لخياطة الألبسة الجاهزة في أحد أحياء دمشق، كنت ساعده الأيمن في ذلك المشغل،ثمّ طورناعملنا وأخذنا نصنع الجزادين والحقائب النّسائيّة ،وكنت أروّج في مدينتي لتلك البضاعة،وأبيعها لي، وله شراكة،ثمّ تطوّرت علاقة العمل بيننا إلى الحبّ، وطلبني للزواج،ولكنّ أهلي عارضوا ذلك الطلب بشدّة،لأنّهم لايعرفون شيئاً عنه، وعن عائلته،وكانت المرحومة أمّي(أمّ راوية) تقول لي:(من يأخذ من غير ملّته،يموت بعلّة غير علّته)وكنت آنذاك أضحك لمثلها هذا، وأقول:(كلّنا أولاد آدم وحواء.. )وأيّ رجل أتزوجّه، سوف يصبح ابن عمّي، سواء أكان يقربني أم لا..!!
وأمام رفض أهلي لهذا الشاب ،لجأت إلى الجدّة التي تحدّثت عن قصّتها،وطلبت منها المساعدة في إقناع أبي، وأمي على الزّواج من شريكي في العمل،وكنت أعرف مكانة الجدّة عندهما،ومدى احترامهما وإطاعتهمتا لها،وفعلا تدّخلت الجدّة،وتمّت موافقة الوالدين على مضض وكراهية.
تزوجنا في دمشق واستأجرنا في البداية بيتاً صغيراً جعلناه عشّ الزّوجية لكلينا. كان أحمد شاباً مهذباً وعاملني معاملى طيّبة إلى أن أخذت أمّه(أي حماتي) وأخته العانس(ابنة حماي) تتدخلان في حياتنا وشؤوننا الزوجية،وكانتا تكرهانني ،لأنّ الابن لم يحقّق رغبة الأمّ بالزواج من قريبتها الشاميّة،ومع ذلك فإنّ كراهيتهما لي، لم تؤثر على علاقة زوجي بي،وبقي يحبّني ويعاملني معاملة طيّبة،وأثمرت هذه العلاقة الزوجية عن إنجاب طفلتين ،أخذت أهتمّ بتربيتهما،ونسيت حقد وكراهية حماتي لي التي لم تيأس في زرع الضغينة والحقد في قلب ابنها نحوي،إلى أن تحقّق لها ما أرادت من شرّ،وأثمر سعيها الشرّير..الذي يشبه سعي إبليس لردع رجل مؤمن من عبادة خالقه،وزجره عن الإيمان..!!أو يؤمّن لأفعى سامّة،فيجعلها تقيم في منزله،
وهنا لافرق بينها، وبين إبليس والأفعى السّامة في ارتكاب الإثم، والشرّ بحقي ،ونفث سمومها، وإلحاقّ الأذى بطفلتيّ الصغيرتين..!!
وتابعت راوية:كان ذلك عندما تساعدت أنا وزوجي في شراء قطعة أرض صغيرة، سجّلها أحمد باسمه،ثمّ بدأنا في تشييد مسكننا عليها،وقد عملت جهدي لكي أنهي بناء هذا البيت ،لأنّه كان في منطقة زراعية،غير مسموح بالبناء فيها،ولكنّنا اشتغلنا ليل نهار حتّى أنجزنا بناءه،ساعدني في ذلك أخوتي الذين كان منهم الدّهان، وعامل الكهرباء،والبلاط،المهمّ أنجزنا البناء وسكنا فيه،ومنذ ذلك الوقت بدأت معاملة زوجي تتغيّر تجاهي شيئاً.. فشيئاً،وأخذ يحتجّ نحوي بأشياء واهية،وأخذت أمّه تزرع الشكوك في نفسه،وتقول له:غداً تطردك من البيت، وتستقلّ به لنفسها ولطفلتيها،طلّقها وأنا أزوّجك بأفضل منها،طلّقْها لأنّها لم تنجب لك إلا البنات، وأنا أزوجك بأخرى، تنجب لك الولد الخلف..!!بع هذا البيت، واشتر بثمنه بيتاً، بمكان آخر ،واطردها هي وابنتاها إلى أهلها..فهي غريية عنّا ..وتبقى غريبة عنك..!!وطبعاً كانت الأخت السّاحرة الشريرة تساعد أمّها في ممارسة الضغوط على الابن البار المطيع..إلى أن خضع أحمد لضغوطهما،ففي ليلة موحشة ظلماء، عمد أحمد على اصطناع مشاجرة معي،وقال:منذ الصباح ترحلين مع ابنتيك إلى أهلك..ولاتعودين إلى هذا البيت مهما حدث لك..!!واضطرّيت للدفاع عن نفسي والرّدّ عليه قائلة:إنّ كنت تظنّ أنّ أهلي سوف يتخلّون عنّي، وعن ابنتيّ في موقف كهذا، فأنت مخطىء،وإنّني واثقة من أنّهم سوف يقفون إلى جانبي ، ويدافعون عنّي،وسوف يتصدّون للتصرّف الجبان لنذل من أمثالك..!!ثمّ تابعت راوية سرد قصّتها:رحلت جيوش الظلام،وانقشع ضوء النّهار،وآن لي أن أواجه الحقيقة المرّة التي حذّرني أهلي منها منذ البداية ،حملت طفلتيّ في الصباح، ورحلت تاركة كلّ شيء بنيته، واشتريته له،استقبلني أهلي، واحتضنوني، وكأنّهم لم يتفاجؤوا بعودتي إليهم،ولكنّ أخوتي أرادوا أن يعرفوا سبب طرده لنا..!!،فسافروا إليه،ولكن.. وجدوه قد باع البيت الذي بنيناه سويّة،وقال لأخوتي دون حياء أو خجل:أختكم طالق،وقريباً سوف تصل إليها ورقة التّفريق..!!بعدها تيقّنت أنّ كلام الجدّة صحيح،بأنّ الرّجال ليس لهم أمانة،وأنّ(المأمّنة الرّجال مثل المأمّنة المي بالغربال..)..وهنا توقفّت راوية عن الكلام،وعضّت على شفتيها،وشدّت بكلّ قوّة أعصابها،فنزفت الآلام من جسدها،وتغضّن جبينها،وأعطاها مظهر وجهها الكئيب عتيّاً من العمر،فبدت وكأنّها أكبر من عمرها الحقيقي بكثير..!!وأتعبها عسف الرّجال،وممّا زاد من غيظها،أنّ البيت الذي بنته بيديها لبنة... لبنة،يسكنه اليوم قوم غرباء،لقد باعه هذا الزّوج الخائن،وقبض ثمنه بضعة ليرات، صرفها على عهر أمّّه وأخته وفجورهما،صحيح أنّ الشيء الذي لا تتعب فيه الأيادي،لاتحزن عليه القلوب..!! بكلّ بساطة لقد باعوا البيت الذي تعبت في بنائه أنا وأخوتي، وقبضوا ثمنه دون أن يراود شعورهم أيّ ذنب..لأنّهم لم يبذلوا أيّ جهد،ولم ينفقوا من جيوبهم أيّ مبلغ لتشييده..!!ندبت راويةسوء طالعها،ولؤم حماتها،وأخذت الدّموع تسحّ من عينيها، غير أنّها أحسّت في لحظة ما، أنّ الدّموع سلاح المرأة الضعيفة،وهي لاتريد أن تكون إلا المرأة القويّة في وجه العاصفة الشرّيرة التي تتقاذفها..!!
كفكفكت راوية دموع النّدم والحسرة عن خديّها المدميين من لوعة الأسى، والحزن،وضمدّت جراح الخيانة،وقالت بشيء من الشجاعة والقوّة:لن أيأس وسوف أظلّ أطارد ذلك الجبان،وأطالبه بالنّفقة عن ابنيته،وعندما يقصّر، أدفع دم قلبي، لأودعه السجن،عقاباً على خيانته الزوجية،ونكراناً لأبوّته لابنتيه اللتين سوف أظلّ أعمل، وأسهر ليل نهار على تربيتهما وتعليمهما، ونسيانهما لذلك الأب الجاحد،وناكر الجميل، وسوف أغرس في نفسيهما، أنّ أباهما قد مات، منذأن باعهما بثمن بخث، منسوج من ثياب محبوكة، بسمّ الغدر والخيانة..
أكبرت في راوية إصرارها على مواصلة تربيتها لابنتيها الصّغيرتين،ولكن لم أتفق معها في غرس الحقد والكراهية في قلبي طفلتيها..اللتين ربّما في يوم من الأيّام ـ لاسمح الله ـ تصادفان رجلاً لاأمانة له كأبيهما ،ويحدث لهما كما حدث مع أمّهما،فتتصرفان تصرّفاً حكيماً أفضل من تصرّف والدتهما..ولاتخسران ما خسرته في حياتها بسبب رعونة، وجهل أب كان زواجها منه من البداية مبنيّاً على عدم التكافؤ، وعلى شيء من العاطفة،لا العقلانية، والترّوي والتمحيص في هويّته، وأصله، وفصله،..كان الله في عون راوية لكي تواصل الكفاح من أجل تربيتها لابنتيها ،حتى تكونان عضوتين نافعتين، لاحاقدتين في مجتمع يأكل فيه القويّ الضعيف،ويضيع الحقّ بجريرة الباطل..!!
عزيزي القارىء: هكذا ينقلب عمل الخير مع من لايستحقّه شرّاً،ولقد ورد في المثل العربي):اتقّ شرّ من أحسنت إليه..!!)وراوية لم تفعل إلا الخير عندما وثقت في زوجها، و بنت له بيتاً،وأنجبت منه طفلتين،ولكنّه قابل خيرها بالشرّ،عندما نبذها وطلّقها وتركها وحيدة في مهبّ الرّياح العاصفة ،تعيل ابنتيها،
عاودت راوية العمل في مهنة الخياطة،ولم تيأس ورفضت تسليم ابنتيها لسكين الجزّار،وهي اليوم تدفع شرّه عنها،بمواصلة الشكوى عليه،وسجنه في حال تقصيره دفع نفقة ابنتيها،ولقد سجنته فعلاً،ولكن لم ترو غليلها منه،لقد ولّد شلال الحقد في نفسها على زوجها،طوفاناً من الحقد على الرّجال،وأمنت بحكمة جدّتها المجرّبة،أن لاأمان للرّجال(يممأمّنة الرّجال مثل المأمّنة المي بالغربال)..!!.
نظرت إلى راوية نظرة إشفاق، وعطف، وهي تفتح ذراعيها، وتبتهل إلى الله عزّ وجلّ، بالدّعاء على زوجها وأسرته،فالمرأة المهيضة الجناح،ليس لها إلا الدّعاء في مواجهة شرّ يحيق بها،ولا تستطيع دفع أذاه عنها.
وتبعت راوية كلامها، وهي في ذروة غضبها:لن أسامح ذلك الرّجل الخائن،كما سامحت جدّتي، جدّي عندما تزوّج عليها،على الأقلّ، كان جدّي وفيّاً لها،عندما أبقاها كزوجة ثانية،ولم يطلّقها،وهي كانت عاقلة لم تغادر بيتها وتطلب الطلاق منه، ورضيت بقسمتها،أما أنا فقد كنت أظنّ.. عندما تركت بيتي، أنّ العشرة والحبّ لن تنسيه زوجته وطفلتيه..!!،ولكن يبدو أنّ ابن الحلال ،هو فقط من لاينسى العشرة والحبّ،لا..ابن الحرام..!!
وختمت راوية قصتها بالقول:إنّ في قصتّي عبرة وعظة لكلّ امرأة تقدم على الزواج من رجل غريب،عليها أن تبحث في تاريخه، وتاريخ أسرته عن كلّ صغيرة وكبيرة،وعليها أن تضع الشرّوط التي تضمن حقوقها مستقبلاً،وأن لاتأمن من زوج المستقبل،لأنّه..وبرأيها،وحسب تجربتها، لاأمانة للرّجال الغادرين،في هذا العصر،وفي كلّ عصر..!!
حيدر حيدر
سلمية في /12/1/2011/