(قصّة حبّ من وراء الجدران..)
******************************
أصغى نجم لإيقاع الضربات الثلاث الصادرة من خلف جدار غرفته،وكما كان يتوقّع ، أرسلت(نجمة)إشارتها اللاسلكية له،ليس عبر خطّ الهاتف أو السلكي أو الخليوي ،وإنماعبر الجدار الملتصق من الجهة الثانية بجدار غرفته،معلنة وجودها في غرفتها،وضع( نجم خدّه) الأيمن على جدار غرفته،وألصقه بقوّة تماماً، كم تلصق العروس العجينة في ليلة زفافها، على باب منزلها الجديد، وأصغى بانتباه ودقة شديدتين إلى الصوت الأنثوي الناعم النافذ، والقادم إليه من طيّات جدار المنزل المجاور، وتحديداً، من وراء جدار الغرفة الملاصقة لغرفته، ولأنّ الجدار مبنيّ من اللبن، كان الجدار الذي يفصل بينهما سميكاً،لذلك أصغـت أذن (نجم)إلى صوت خافت وضعيف،يقول: أحبّك يانجم..وبادلها نجم الإشارة اللاسكية وقال لها:أحبّك يانجمة بل أعبدك..وتبادل الحبيبان همسات الحبّ وتباريح شوقهما لبعضهما ، وتناجيا عبر الجدار،وكأنهما جالسان مع بعضهما البعض، وأسمعت نجمة حبيبها الأغنيات العذبة لأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ وظلّ نجم يصغي إلى الألحان العذبة المنبعثة من مذياع حبيبته،إلى انّ أحسّ أنّ صفحة خدّه الأيسر، أصبحت جزءاً من طينة الجدار الترابي،وانّ موضع التصاق خدّه ترك علامة واضحة،وندبة حمراء على خدّه الأيمن،حتى أحسّ ، وكأنّ موضعها قد تخدّر،ولطول فترة الالتصاق، لم يعد يحسّ به..وكان هذا اللقاء الجداري يتمّ ويتكرّربين الحبيبن بشكل يومي،وكلّما سنحت الفرصة لـ (نجمة) وشعرت بالأمان، وكلما كان منزلها خالياً،أما نجم فكان في غرفته لايستطيع أن يرسل رسائله الغرامية الجدارية،إلا إذا تلقّى برقيّة جدارية من حبيبته نجمة،فكان هو المتلقي أولاً..والمرسل ثانياً..وهذا الحبّ اللاسلكي الجداري ليس حبّاً طوباوياً خيالياً،وقصته، ليس قصة من نسج خيال كاتب، أو شاعر،بل هي قصة حبّ حقيقية،جرت أحداثها في ستينات القرن الماضي،في قرية نائية من قرى ريفنا،الذي كان مايزال متشدّداً في عاداته تقاليده،ولم تكن عاداته تسمح بلقاء بين شاب، وصبية، حتى ولوكان هذا اللقاء عابراً،أو بمحض الصدفة،وإذا ماحدث وشوهد شاب يقف مع فتاة من بنات قريته،فإنّ كارثة ما،سوف تقع في القرية،وسرعان ما تنتقل أخبار ذلك اللقاء، على كلّ لسان فيها،وتحاك حوله قصص كاذبة، وأقوال باطلة،وتبدأ ألسنة الغريب، والقريب تلوك سمعة الفتاة، وتبصقها، وكأنّها مضغة قذرة،وربما تؤدي تلك الحادثة إلى قضيّة شرف، لايعرف نتائج عقباها بين عائلتي الطرفين..كانت هذه العادات تعشّش في عقول الناس في هذا الرّيف النّائي،وما كان من سبيل لتواصل الحبيبين نجم، ونجمة أو (قيس وليلى)دون أن يراهما أويسمعهما أحد في القرية،إلا باللجوء إلى هذه الإشارات الغرامية اللاسلكية الجدارية بين الحبيبين.عجيب أمر هذا الحبّ،فهو لم يعد حبّاً عذرياً فقط،بل أصبح حبّاً لاسلكياً، برقياً، جدارياً، تنقل لبنات الجدار أنين بوحه،وهمسات شوقه..أمعقول مايحدث،وهل يصدّق.. أنّ قصة حبّ في القرن العشرين، تتوالى أحداثها الدّراميّة، الكوميديّة بهذا الشّكل...!!
أنا مثلكم لم أكن أصدّق ،وكنت أظنّ أنّ نجم يبالغ وهو يروي لي تفاصيل قصّته،وأنا أتابعه بشيء من الغرابة والدهشة..!!
أحبّ نجم، نجمته الساطعة في ليل غرامه، ابنة الجيران، وشغف وهام بحبّها،وكان مايزال طالباً في الثالث الثانوي،وكانت محبوبته(نجمة)قد وضعت أولى خطواتها في طريق الحياة الجامعية،مسجلّة في كليّة الآداب(قسم اللغة العربيّة)،ولم تكن العلاقة بينهما منسجمة من النّاحية العمليّة،ولكنّها كانت مشحونة من النّاحية العاطفية،ولمّاكانت ظروف نجم الدّراسية، والماديّة، لاتسمح له بالتّقدّم لخطبة حبيبته،وهذه هي النتيجة الطبيعية التي من المفروض أن تصل إليها خاتمة الحبّ لقصتهما،في مثل أجواء هذا الرّيف المتعصّب،لذلك اتفق الحبيبان،على أن ينسيا،أو يتانسيا دراميّة أحداث هذه العلاقة الغراميّة،وأن يلتفتا إلى دراستيهما،ويتركا للقدر، أو للحظ، والنّصيب كما يقال في الرّيف، أن يقرّر في المستقبل، خاتمة لقصّة الحبّ هذه،وفعلاً تابع نجم دراسته الجامعية بعد المرحلة الثانوية،وحصل على وظيفة مناسبة،وتزوّج من آنسة، تناسب ظروفها، وضعه االجديد، واستقر في حياته الأسروية والمعيشية ،بينما أكملت نجمة دراستها الجامعيّة،وتعيّنت مدرسة لمادة اللغة العربيّة،وحظيت بالتّعرّف على رجل يناسب وضعها الاجتماعي الجديد، وتزوّجت منه،وبهذه الخاتمة الدّرامية، تنتهي قصة حبّ من وراء الجدران..ولكنّ مشاعر الحبّ لم ..ولن تخمد في صدري الحبيبين،ولم ..ولن تنطفىء جذوتها،ويبقى قول شاعرناالعباسي(أبي تمام)يردّده لساناهما، وفؤاداهما، كلما تذكّرا قصة حبّهما من وراء الجدران:
نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى== ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى == وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ
مع أعطر تحيّاتي.و أطيب تمنيّاتي أيّها الأصدقاء.. في أن لايضنيكم، ولا يشقيكم حبّ جداري عذري،ولا حبّ ألكتروني عصري.
الكاتب:حيدر حيدر
سلمية في /25/5/2010
******************************
أصغى نجم لإيقاع الضربات الثلاث الصادرة من خلف جدار غرفته،وكما كان يتوقّع ، أرسلت(نجمة)إشارتها اللاسلكية له،ليس عبر خطّ الهاتف أو السلكي أو الخليوي ،وإنماعبر الجدار الملتصق من الجهة الثانية بجدار غرفته،معلنة وجودها في غرفتها،وضع( نجم خدّه) الأيمن على جدار غرفته،وألصقه بقوّة تماماً، كم تلصق العروس العجينة في ليلة زفافها، على باب منزلها الجديد، وأصغى بانتباه ودقة شديدتين إلى الصوت الأنثوي الناعم النافذ، والقادم إليه من طيّات جدار المنزل المجاور، وتحديداً، من وراء جدار الغرفة الملاصقة لغرفته، ولأنّ الجدار مبنيّ من اللبن، كان الجدار الذي يفصل بينهما سميكاً،لذلك أصغـت أذن (نجم)إلى صوت خافت وضعيف،يقول: أحبّك يانجم..وبادلها نجم الإشارة اللاسكية وقال لها:أحبّك يانجمة بل أعبدك..وتبادل الحبيبان همسات الحبّ وتباريح شوقهما لبعضهما ، وتناجيا عبر الجدار،وكأنهما جالسان مع بعضهما البعض، وأسمعت نجمة حبيبها الأغنيات العذبة لأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ وظلّ نجم يصغي إلى الألحان العذبة المنبعثة من مذياع حبيبته،إلى انّ أحسّ أنّ صفحة خدّه الأيسر، أصبحت جزءاً من طينة الجدار الترابي،وانّ موضع التصاق خدّه ترك علامة واضحة،وندبة حمراء على خدّه الأيمن،حتى أحسّ ، وكأنّ موضعها قد تخدّر،ولطول فترة الالتصاق، لم يعد يحسّ به..وكان هذا اللقاء الجداري يتمّ ويتكرّربين الحبيبن بشكل يومي،وكلّما سنحت الفرصة لـ (نجمة) وشعرت بالأمان، وكلما كان منزلها خالياً،أما نجم فكان في غرفته لايستطيع أن يرسل رسائله الغرامية الجدارية،إلا إذا تلقّى برقيّة جدارية من حبيبته نجمة،فكان هو المتلقي أولاً..والمرسل ثانياً..وهذا الحبّ اللاسلكي الجداري ليس حبّاً طوباوياً خيالياً،وقصته، ليس قصة من نسج خيال كاتب، أو شاعر،بل هي قصة حبّ حقيقية،جرت أحداثها في ستينات القرن الماضي،في قرية نائية من قرى ريفنا،الذي كان مايزال متشدّداً في عاداته تقاليده،ولم تكن عاداته تسمح بلقاء بين شاب، وصبية، حتى ولوكان هذا اللقاء عابراً،أو بمحض الصدفة،وإذا ماحدث وشوهد شاب يقف مع فتاة من بنات قريته،فإنّ كارثة ما،سوف تقع في القرية،وسرعان ما تنتقل أخبار ذلك اللقاء، على كلّ لسان فيها،وتحاك حوله قصص كاذبة، وأقوال باطلة،وتبدأ ألسنة الغريب، والقريب تلوك سمعة الفتاة، وتبصقها، وكأنّها مضغة قذرة،وربما تؤدي تلك الحادثة إلى قضيّة شرف، لايعرف نتائج عقباها بين عائلتي الطرفين..كانت هذه العادات تعشّش في عقول الناس في هذا الرّيف النّائي،وما كان من سبيل لتواصل الحبيبين نجم، ونجمة أو (قيس وليلى)دون أن يراهما أويسمعهما أحد في القرية،إلا باللجوء إلى هذه الإشارات الغرامية اللاسلكية الجدارية بين الحبيبين.عجيب أمر هذا الحبّ،فهو لم يعد حبّاً عذرياً فقط،بل أصبح حبّاً لاسلكياً، برقياً، جدارياً، تنقل لبنات الجدار أنين بوحه،وهمسات شوقه..أمعقول مايحدث،وهل يصدّق.. أنّ قصة حبّ في القرن العشرين، تتوالى أحداثها الدّراميّة، الكوميديّة بهذا الشّكل...!!
أنا مثلكم لم أكن أصدّق ،وكنت أظنّ أنّ نجم يبالغ وهو يروي لي تفاصيل قصّته،وأنا أتابعه بشيء من الغرابة والدهشة..!!
أحبّ نجم، نجمته الساطعة في ليل غرامه، ابنة الجيران، وشغف وهام بحبّها،وكان مايزال طالباً في الثالث الثانوي،وكانت محبوبته(نجمة)قد وضعت أولى خطواتها في طريق الحياة الجامعية،مسجلّة في كليّة الآداب(قسم اللغة العربيّة)،ولم تكن العلاقة بينهما منسجمة من النّاحية العمليّة،ولكنّها كانت مشحونة من النّاحية العاطفية،ولمّاكانت ظروف نجم الدّراسية، والماديّة، لاتسمح له بالتّقدّم لخطبة حبيبته،وهذه هي النتيجة الطبيعية التي من المفروض أن تصل إليها خاتمة الحبّ لقصتهما،في مثل أجواء هذا الرّيف المتعصّب،لذلك اتفق الحبيبان،على أن ينسيا،أو يتانسيا دراميّة أحداث هذه العلاقة الغراميّة،وأن يلتفتا إلى دراستيهما،ويتركا للقدر، أو للحظ، والنّصيب كما يقال في الرّيف، أن يقرّر في المستقبل، خاتمة لقصّة الحبّ هذه،وفعلاً تابع نجم دراسته الجامعية بعد المرحلة الثانوية،وحصل على وظيفة مناسبة،وتزوّج من آنسة، تناسب ظروفها، وضعه االجديد، واستقر في حياته الأسروية والمعيشية ،بينما أكملت نجمة دراستها الجامعيّة،وتعيّنت مدرسة لمادة اللغة العربيّة،وحظيت بالتّعرّف على رجل يناسب وضعها الاجتماعي الجديد، وتزوّجت منه،وبهذه الخاتمة الدّرامية، تنتهي قصة حبّ من وراء الجدران..ولكنّ مشاعر الحبّ لم ..ولن تخمد في صدري الحبيبين،ولم ..ولن تنطفىء جذوتها،ويبقى قول شاعرناالعباسي(أبي تمام)يردّده لساناهما، وفؤاداهما، كلما تذكّرا قصة حبّهما من وراء الجدران:
نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى== ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى == وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ
مع أعطر تحيّاتي.و أطيب تمنيّاتي أيّها الأصدقاء.. في أن لايضنيكم، ولا يشقيكم حبّ جداري عذري،ولا حبّ ألكتروني عصري.
الكاتب:حيدر حيدر
سلمية في /25/5/2010