من وحي المسير الرياضي ......... من قرية الشيخ هلال السياحيّة، إلى قرية الروضة،بوابة البادية السورية. بتاريخ يوم الجمعة الموافق لـ /30/10/2009 كعادة جميع القرى،تنام الشيخ هلال مبكراً،وتستيقظ مبكراً،ولكن عندما وصلت الحافلة التي تقلنا إليها،وذلك في تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت الشتوي الجديد،كانت الشيخ هلال كفتاة تتثاءب ،غالبها النعاس ولكن لم تنم،لأنّ لقاءها بأصدقائها وأحبائها في الليلة السابقة منعها من ذلك،بل حتى منعها من الرقاد،كأمّ هاجر عنها أبناؤها وفي ليلة ما،عادوا إليها فاستقبلتهم بحفاوة ومحبّة،وبسطت لهم ذراعيها ،وسائداً ليناموا عليهما،وحضنتهم في أحضانها بكلّ رقة وشوق،متمنيّة أن لايفارقوها بعد الآن،ولكن هي الأيام ،هجر ووصال،لقاء وفراق. فلتهنئوا أيها الأصدقاء بالنوم في أحضان أمّكم أو حبيبتكم وباللقاء السعيد بها،بعد فراقكم المرّ لها،كما قال الشاعر ( سليم جُدي)(شاعر لبناني): وفراق الأحباب مرٌّ ولكن == ربّ سلوى إذا رجوت لقاء والابن البار لاينسى من بالمهد سهر عليه،وتعب في تنشئته وري غراسه حتى نمت وآتت أكلها ثمرأ جنيّاً: كيف نسلو وقد جفانا محبّ == ما عهدنا من قبل فيه جفاء وهكذا أصدقاء سلمية مع أهلهم في الشيخ هلال، وفاء وصدق و شوق وعناق. في الليلة الماضية سهرت الشيخ هلال مع ضيوفها حتى الصباح،لبست أجمل ثيابها وكأنها عروس في ليلة الزفاف، ولكنها تزيّت بثياب العفة والطهارة،وتحلّت بمكارم الأخلاق وحسن الضيافة،ضيوف كرام قصدوها من كلّ الأصقاع،من فرنسا وحلب واللاذقية ودمشق، ومن كلَ مكان، ولسان حالهم يردد مع الشاعر(طانيوس عبده) من لبنان ،كلمات المحبة والوفاء ويتلهف من أجل اللقاء بالشيخ هلال : كم هناءٍ يكون بعد شقاءٍ == وفراقٍ يكونَ بعد لقاءٍِ ولقاءٍ يكون بعد فراقِ أنت يا فتنة العيون ويا أب == دعَ موصوفةٍ على الإطلاقِ أنت يا آية الطهارة يا من == حكمت لحظها على العشاق أنت يا من قتلت نفسك بالذل == لتحيا مكارم الأخلاق الشيخ هلال القرية الوادعة الهادئة الساكنة الرابضة على بوابة البادية،قرية لاتعرف إلا الوفاء،هجرها أهلها لأنّ الطبيعة أجدبت، والمياه شحّت،وكلّ ذلك بسبب غيث السماء الذي توقف،ولبست الأرض غطاء من التصحّر،كاد يقضي على البشر والحجر،في صحراء موحشة شاسعة واسعة ممتدة من تدمر وحتى بلدة خناصر.ولقد عبّر الشاعر أحمد شوقي عن وحشة الصحراء بقوله: يا جائِبَ الصَحراءِ مِلءُ سَرابِها == غَرَرٌ وَمِلءُ تُرابِها أَخطارُ فالأرض يباب إلا من بعض الشجيرات الرعوية،وحيث يوجد جدول ثرّ للماء توجد الحياة،وهذا ما تلاحظه في الريف المحيط بالشيخ هلال،قرى بكاملها هجرها أهلها وبقيت قبابها مسكناً للحدأة والضبّ،وقرى أخرى درّت عليها يد العناية البشرية بقطرات من المياه،فازيّنت حواشيها بشريط من الخضرة والجمال،ورتعت قطعان الماشية قريباً من مضارب بيوتها،وفي وهادها ومهادها . ودبّت فيها الحياة فاستقبلنا أهلها عند مرورنا بها في مسيرنا الرياضي.الذي انطلق من محيط القرية عند الساعة السابعة صباحاً متجهاً عبر فضاء رحب للبادية،حيث تناثرت بعض شجيرات الزيتون وشكلت سواراً من الخضرة أحاط بالشيخ هلال، ولما ابتعدنا عن جدران القرية،سلكنا طريقا مزروعاّ بالأحجار وببعض البقع الغضّة والطريّة للتربة الذي سقاها قبل يوم أو يومين وابل غزير من الأمطار شكّل سيلاً جارفاً ملأ الشعاب والوديان،واندفع نحو سدّ الشيخ هلال ليملأ قسماً منه،وليجرف جسر الروضة أمامه، ولينقطع الطريق المؤدي إلى المنطقة الأثرية في الروضة حيث تنقب بعثة فرنسية عن آثار وأوابد هذه المنطقة. وإذ طمى السيل جسر الروضة، ولم يصمد أمام ضخامة السيل الذي جرفه وألقى بكتله الإسمنتية على الرغم من سماكتها في مسيل الوادي وكأنها أكوام من القش،لكن جسر العمر عند الشاعر علي محمود طه صمد في وجه العواصف الهوجاء،والأمواج العاتية لبحر مزبد هائج: واجتزتَ جِسْرَ العمر بين عواصف == هُوجٍ وموجٍ مُزْبدٍ مترامي ولقد وصف الشاعر العربي الذي عرفت باديته مثل هذه السيول الجارفة منذ زمن غابر،وصف هول وضخامة بعضها بحيث لايستطيع أن يقف بطريقه شيء وقد جاء في المثل: (بلغ السيل الزبى)إذا اشتدّ الأمر،ومنه قول الشاعر ابن النقيب وهو شاعر دمشقي: فالأناة الأناة قد بلغَ السيلُ الزُ == بَى وامتلأتُ منكَ مِطالا وقد جاء مصطلح (سيل عرمرم) في بيت للشاعر عبدالله فكري وهو شاعر مصري، للتعبير عن ضخامة السيل: سيطفئ نار الأفك سيل عرمرم == من الصدق مشفوع بسيل عرمرم وأحياناً يصف كرم ممدوحه بالسيل كما فعل شاعرنا أبو تمام في عدة قصائد له: جودٌ كَجودِ السَيلِ إِلاّ أَنَّ ذا == كَدِرٌ وَأَنَّ نَداكَ غَيرُ مُكَدَّرِ وفي موضع آخر يصف ممدوحه به: هُوَ السَيلُ إِن واجَهتَهُ اِنقَدتَ طَوعَهُ == وَتَقتادُهُ مِن جانِبَيهِ فَيَتبَعُ وامرؤ القيس وصف سرعة جواده في الفلاة بجلمود من الصخر قذفه السيل من مكان شاهق: مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعاً == كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ وانظر إلى شفافية هذه الصورة في شعر مجنون ليلى،الذي فاضت مدامعه،عندما فاض ماء السيل،وبد أن أيقن الشاعر سيغمر الوادي القريب من المكان الذي تقيم به محبوبته ليلى العامرية: جَرى السَيلُ فَاِستَبكانِيَ السَيلُ إِذ جَرى == وَفاضَت لَهُ مِن مُقلَتَيَّ غُروبُ وَما ذاكَ إِلّا حينَ أَيقَنتُ أَنَّهُ == يَكونُ بِوادٍ أَنتِ مِنهُ قَريبُ وهنا أسجل شهادة تقدير واحترام لمن أقام في البادية مثل هذه السدود الترشيحية أو التخزينية،لدرء خطر الفيضانات التي تحدث في مثل هذا الشهر من السنة وعقب موسم الأمطار الخريفية مما يبشر بموسم خير يحي الزرع والضرع. وانظر إلى هذين البيتين الجميلين للشاعر علي الجارم الذي يستخدم لفظ السدود استخداماً رمزيا ًبقوله: جَمَعتْنَا الفُصْحَى فما من وِهَادٍ == فَرَّقَتْ بَيْنَنَا ولا من نُجُودِ يَصِلُ الحبُّ حَيْثُ لا تَصِلُ الشَّمْس == ويجْتازُ شَامِخاتِ السُّدودِ وعلي محمود طه في قوله: الشعبُ مثل البحر إنْ يغضبْ فما == تقفِ السدودُ الشمُّ في تيَّارِهِ وهكذا فإنّ البعض قد رأى في قدوم مسيرنا الرياضي على الشيخ هلال قدوم خير وبركة،وفألاً حسناً،إذ جاء انهمار المطر بعد انحباس دام لفترة طويلة وعلى مدى شهر تشرين الأول تقريباً،ولعلّ في رثاء الشاعر الياس فياض وهو شاعر لبناني مايوحي لك بخطر انحباس المطر،ولكنه يطمئن مرثيّه،أن: لاتخش من انحباسه، فقد رويت قبرك من دموعي بما يكفي سقايته العمر كلّه: ولا تخشَ انحباسَ الغيم يوماً == إِذا ما ماؤُهُ أَبتِ انصبابا فقد روَّيتُ قبركَ من عيوني == بما يكفيهِ للأبد السحابا المهم، في هذا الجوّ الجميل،غيوم رقيقة سوداء حجبت نور الشمس،وظلال طبيعية رافقتنا في مسيرنا الرياضي الذي خيّم عليه جوّ الإلفة والمحبّة بين أصدقاء المسير والذين انطلقوا ينفذونه من مكان إلى مكان،والابتسامات والضحكات والزغاريد تنطلق من أفوا ه الصبايا والسباب ويفوح أريجها وعبقها في كلّ مكان وفي كلّ اتجاه. لقد كان الجوّ سديمياً وجميلاً ومناسبا للسير عبر الطبيعة الخلابة للبادية والتي كانت في أبهى صورها وانفتاحها،وكأنها حديقة خلع ثوب الخريف عليها ألواناً زاهية من الاصفرار المزوج بألوان بنيّة فاتحة.اختلاط بالألوان وتنوع بالمشاهد فعلى مدّ النظر تبصر كيف خرج من صدر الطبيعة جبلان كأنهما نهدان لفتاة شابةو في مقتبل العمر،وكما ذكر لي أحد الأصدقاء أنّ الناس أطلقوا عليهما اسماً مشتقاً من وصفهما(جبلا أبي النهدين).وفي كتاب الطبيعة المفتوح على كلّ الثقافات كان الحوار الجاد والهادف مع بعض أصدقاء المسير يشدّك باتجاه قطف ثمار التعاون في إطار المجتمع الأهلي،ومن أجل تعزيز أسس بنائه،وتقوية دعائمه. ولقد كان لوجود أصدقاء ضيوف من حلب واللاذقية أمر في غاية الروعة.تحيتي وتحيّة أصدقاء المسير إلى كلّ الضيوف الذين شاركونا مسير البادية اليوم،ونتمنى من كلّ قلوبنا أن يكونوا قد سعدوا بوجودهم معنا، لأننا حقيقة سعدنا بوجودهم معنا. أما السيدة(erny)الفرنسيّة الجنسيّة فقد كانت في غاية الظرف واللطف،وكان حديثنا معها يدور حول إمكانية تعلمها للغة العربيّة،والتي بدأت فعلاً بنطق بعض حروفها،والتحدث ببعض جملها وتراكيبها، وهي مجدة ومثابرة في تحقيق ذلك.ومن منبر المسير الرياضي لجمعيّة أصدقاء سلمية وباسم الأصدقاء جميعاً نوجه لها التحيّة والشكر على زيارتها السياحيّة لقباب الشيخ هلال،والتي أتاحت لنا فرصة التعرف عليها،والحديث العذب معها. ولو أنني أعتقد بل أجزم بأنّ روح الإخاء والصداقة والصفاء والمحبّة،لغتها أقوى وأمتن من أية لغة على وجه الخليقة وأنّ إتقان التفاهم والتخاطب بها من خلال حوار العيون والنظرات،يبقى تعلّمه وحفظه أسهل من تعلّم وحفظ أيّة قواعد وتراكيب لأية لغة ما من لغات الأرض. أيها الأصدقاء:إنّ إشراقات صباحيات البادية السورية،على دروب المسير الرياضي،كان يزيده تنوراً وإشراقاً فرح وسرور أصدقاء المسير ذاتهم وهم يتبادلون أحاديثهم الوديّة،ويبوحون لبعضهم البعض بهمساتهم الفكرية،ويصغون للغة عيونهم ونبضات قلوبهم عندما تعجز لغة التخاطب عن التعبير عما يدور في خلدهم ويعجز اللسان عن ترجمة مشاعرهم الإنسانية الحميمية والبوح بها على الملأ.في استراحاتهم المتعددة أو عند تناولهم طعام الإفطار وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء دون شعور بالإعياء والتعب.والطبية من حولهم تلفهم بردائها القشيب وتحدثهم حديث الصديق للصديق عن شجونها وهمومها...وتنظر إلى السماء وتبتسم لقطرات المطر التي انهمرت أمس،وإلى الغيوم الداكنة فيها والتي تبشر بانهمارها من جديد،وبالقرب من المكان سرحت قطعان الماشية والتي أخذت بالثغاء شاكرة الخالق عزّ وجلّ على نعمه. أصدقاء المسير...لقد كان مسير اليوم أشبه بحفلة موسيقية فيها كلّ الأنغام والألحان،أو أشبه بمعرض من معارض الرسم،لوحاته تمازجت بكلّ الألوان والأطياف.فعلى وجهها الأول فنّ وذوق وجمال وأدب،وعلى وجهها الثاني أطفال وصبايا وشباب وشيوخ قلوبهم كقلوب الشباب.هم جماعة أصدقاء المسير وبتلون مشاربهم، وبتنوع اتجاهاتهم، يتقدّم ويتطوّر المجتمع الأهلي، ويصل في تحقيق أهدافه إلى آفاق من الازدهار والنجاحات ،ويساعد ذلك في قطف ثمار التعاون مزيداً من أكاليل المحبّة،وعطر الوفاء والصدق،وغرس القيم الفاضلة. أصدقاء المسير:بكم ومعكم ،سوف نرتقي في عملنا الأهلي، إلى عالم كلّ مافيه نور وعلم ومعرفة،ومن تمازج ثقافاتكم ،سوف نصوغ لغة واحدة،هي لغة المحبّة والسلام،والأمن والأمان لنل ولكلّ شعوب الأرض المؤمنة بقيمنا وأهدافنا الأهلاوية. أصدقاء المسير الرياضي:وأخيراً وليس آخراً في الشيخ هلال بدأنا،وفي الشيخ هلال ننتهي،ونقول ونعلن: لكلّ من يشاركنا مسيرنا الرياضي والثقافي والاجتماعي.ويدأب في بلوغ مركبنا شاطئ الأمان. نقول:من الآن وحتى نحصد ثمار ما نبتغيه من مثل وقيم،ستبقى الشيخ هلال بسياحتها البيئية، رمزاً للمحبّة والتعاون والتضامن والتعاضد.وسوف تظلّ تلتقي تحت سقف قبابها الطينية ثقافات الأرض ،تتعانق وتتحد وتتقدم بمسير رياضي وثقافي لايؤطره تعصّب ولاتحجر،ولا يحتكره مذهب أو جماعة ما. بل إنّه يقطف من كلّ بستان زهرة،ويفوح عطره،وينشر شذاه، وعسله المصفى في شتى بقاع الأرض ،فيتلقاه القاصي والداني من شعوب الأرض،فهو من أجل خير الإنسانية وتقدمها زرعه من قبلنا،ونحن نواصل الاهتمام به،من أجل من يأتي من بعدنا. أصدقاء المسير: لتتشابك الأيدي، ولتتعانق النفوس،ولتتحد الجهود،فمسيرنا الرياضي سيمضي قدماً في ترسيخ بناء أسس الصداقة والأصدقاء،في جمعيّة الأصدقاء، أصدقاء سلمية. نحييكم ونودعكم وعلى المحبّة والصداقة من جديد نلتقيكم. سلمية في /1/11/2009 الكاتب :الصديق :حيدر حيدر
ملاحظة:
قرية الشيخ هلال ،قرية سياحية، مشهورة بقبابها الطينية،تقع على تخوم البادية، شمال شرقي سلمية،على بعد حوالي/45/كم.رممت جمعية أصدقاء سلمية قببها وأنشأت فيها مركزاً سياحياً يزوره السياح الأجانب من شتى بقاع الأرَض.
وانا بدوري أدعو أصدقائنا في مصياف لزيارتها،مرحباً بكم دوماً.
