من وحي المسير الرياضي ....إلى فيروزة
في يوم الجمعة الواقع في/20/11/2009
إلى محور قرى منطقة الشيخ علي:
(( فيروزه ـ الصفاوي ـ الغاوي)).وهي قرى تقع جنوب شرقي سلمية.على بعد،بين (15ـ 20)كم.
انطلق بنا المسير الرياضي لهذا الأسبوع في الصباح الباكر،هذا الصباح الساحر
من صباحات فصل الخريف الجميلة في بلادي يشكل عام،وفي منطقة سلمية بشكل خاص،لأنك ومنذ اللحظة التي تخرج فيها من شوارع المدينة،تستقبلك الطبيعة الحلوة لريفنا الأخضر الزاهي في مثل هذه الأيام،ويحضنك الريف بين أحضانه كعاشق التقى بمن يعشق ويحبّ،وتسحرك الطبيعة بمفاتنها الخلابة وتبادلها الشعور ذاته فتهيم في أفقها الرحب سحراً وفتنة كما هام بجمالها شاعر النيل(حافظ ابراهيم)بقوله:
جَمالُ الطَبيعَةِ في أُفقِها == تَجَلّى عَلى عَرشِهِ وَاِستَوى
وفي أحضانها يبرأ الموصوب من علته،ويجد الشاعر ضالته من الدرر والمعاني،
ويفرّج المكروب عن همّه،ويلهو العاشق الملتاع،فينسى ألم الجوى،ويسلو كلّ بعيد حنين النوى،وهي دواء شاف لمرضى الهوى:
فَقُل لِلحَزينِ وَقُل لِلعَليلِ == وَقُل لِلمَولي هُناكَ الدَوا
وَقُل لِلأَديبِ اِبتَدِر ساحَها == إِذا ما البَيانُ عَلَيكَ اِلتَوى
تَنَسَّم صَباها تُجَدِّد قُواكَ == فَأَرضُ الجَزيرَةِ لا تُجتَوى
فَفيها شِفاءٌ لِمَرضى الهُمومِ == وَمَلهىً كَريمٌ لِمَرضى الهَوى
وَفيها وَفي نيلِها سَلوَةٌ == === لِكُلِّ غَريبٍ رَمَتهُ النَوى
وعبر أحد سهول الريف الكريم المعطاء، وهو سهل الشيخ علي ،والذي يحملك الوجد والحنين إلى ذكريات أيامه الغابرة،عندما كان يروى من ماء عين لاينضب معينها، وما الأوابد الأثرية فوق قمة التلّ وبجواره القناة الرومانية،ذات الفتحات
الضوئية فوق الأرض،بين كلّ مسافة تقطعها،عبر دهليز القناة تحت الأرض.
إلا أطلال تذكرك بمن سكن هذه الديار،فيشدّك الوجد إليها كما شدّ الشاعر(ابراهيم الخياط) 450 - 517 هـ / 1058 - 1123 م شاعر، من الكتاب، من أهل دمشق مولده ووفاته فيها. ذكرى ديار أحبته الذين رحلوا عنه،فوصفها ووصف كرمها بقوله:
لَقَدْ وَجَدَتْ وَجْدِي الدِّيارُ بِأَهْلِها == وَلَو لَمْ تَجِدْ وَجْدِي لَما سَقِمتْ سُقْمِي
مَنازِلُ أَدْراسٌ شَجانِي نُحُولُها == فَهَلاّ شَجاها ناحِلُ الْقَلْبِ وَالْجِسْمِ
سَقاها الْحَيا قَبْلِي فَلَمّا سَقَيْتُها == بِدَمْعِي رَأَتْ فَضْلَ الْوَلِيِّ عَلَى الْوَسْمِي
وَلَوْ أَنَّنِي أَنْصَفْتُها ما عَدَلْتُها == عَنِ الكَرَمِ الْفَيَّاضِ والنّائِلِ الْجَمِّ
ويفتنك بسحره بساط الطبيعة الأخضر النامي،وما يفترشه من أشجار وزينة في البساتين والحقول الممتدة على جانبي الطريق،يزينها فتنة وبهاء شمس الخريف الساطعة ،والتي وصف الشاعر فتنتها من خلال كتمانه لحبّه،وحرارتها التي تكوي ضلوعه، بقوله: من مؤلف: (الوافي بالوفيات ـ صلاح الدين صفدي):
كتم الهوى فوشت عليه دموعه == من حرِّ جمرٍ تحتويه ضلوعه
شمسٌ ولكن في فؤادي حرُّها == بدرٌ ولكن في القباء طلوعه
قال العوازل ما الذي استحسنته == فيه وما يسبيك؟ قلت: جميعه
وكذلك وصف الشاعر في موضع آخر شدة حرارتها بقوله:
خرف الخريف وأنت في شغلٍ == عن بهجة الأيام والحقب
وراقه صفرٌ وقهوتنا ====== صفراء مثل الشمس في لهب
يأتي بها غيري وأشربها ==== ذهباً على ذهبٍ بلا ذهب
ومسير اليوم يعتبر أطول،وأكثر كثافة بالمشاركين من مسير الأسبوع الماضي،
ولقد ذكرني الحشد الهائل الذي يركب ويقف في الحافلة، التي أقلتنا إلى نقطة البداية في مسيرنا،بما يسمونه في دير الزور بـ (فرخ الباص) أو (بوسطة صغيرة)وهي وسيلة من وسائل النقل التي كانت تحملنا من مدينة دير الزور حيث نقيم،إلى القرية التي ندرس فيها واسمها(بقرص)وأنا كنت أسميها (قبرص) بقلب بعض حروفها،تسهيلاً لحفظ اسمها،المهم أنّ هذه الوسيلة العجيبة التي كانت تحملنا نحن معلمي القرية،أو من صادف تعيينه على هذا الطريق الريفي الممتد على طول ثلاثين كيلو متراً،وهم كثر،يضاف إلينا ماكانت تحمله البوسطة من لبن ودجاج وأغنام،كلّه يكدس فوق بعضه البعض في جوفها، وكأنها غواصة ضاقت ذرعاً بعدد وعتاد راكبيها،فما أمتعها من رحلة،تسمع فيها صوت الديكة،وثغاء الأغنام،ورائحة ثياب الركاب التي هي من رائحة لبن وجبن ريف دير الزور الشهيرة.ولن تجد حرجاً،وأنت ملتصق بزميلك ومحشور على مقاعد فرخ الباص هذا،وقد كان أجدر بهم أن يسمونه(مفرخة)لا فرخ،لأنك تجد بجانبك وتحت قدميك، ودون حرج كما ذكرت روث الحيوانات،ومصع الدجاج،وتجد البيض وقد عبئ في أكياس التبن،حتى لايتعرض في رحلته ورحلتنا الشاقة إلى الكسر، وليس مهماً أن ينكسر خاطرنا،من الروائح العطرة التي تنطلق من بين صفوف المقاعد المحنيّة من الثقل على بعضها البعض،وكأنها حنيّة ظهر عجوز جاوزت الثمانين من عمرها.المهم، أن لاتنكسر البيضات التي تحملها المرأة الريفية،التي تجلس بجوارنا حافية القدمين،لا من الفقر والعوز،لا فأهل الدير أغنياء،وغير محتاجين لأحد،وإنما هي عادة درج عليها النسوة خاصة من سكان الريف(ولله في خلقه شؤون).فيالها من ذكريات تعبر الخيال في صفو سماء يوم مسيرنا الرياضي.و قد رافقني في مرحلة من مسيري اليوم،الصديقة السيدة(erny)الفرنسية الجنسيّة،وهذه هي المرة الثانية التي ألتقي بها في مسيرنا الرياضي،وقد رافقها في مسيرها اليوم زوجها الذي قدم من فرنسا،من أجل السياحة في سورية،هذا وقد أعجبت السيّدة الفرنسية والبالغة من العمر الخامسة والستين،وقد تقاعدت مع زوجها منذ فترة في فرنسا،ولكنها حافظت على حيويتها ورشاقتها بالرياضة المنظمة عبر الطبيعة المنبسطة كراحة اليد في بلادها وبلادنا،وكما ذكرت لقد أعجبت هذه السيدة بالمجتمع السلموني عبر إطاره الأهلي والمنظم،وأخذت من خلال رحلاتها المتكررة من وإلى سوريا،بزيارة سلمية،وباشرت بتعلّم اللغة العربيّة الفصحى والعاميّة معاً،وذلك من خلال الحوارات التي تجري بينها وبين كافة الأصدقاء،ومن خلال بعض الزيارات التي تقوم بها،لمنازل البعض ،والتي نشأت بسببها علاقة مودة وصداقة حميمية، تربطها بجميع أفراد أسرة جمعيّة أصدقاء سلمية،وهي في الأساس مقيمة مع زوجها كضيفين كريمين،في منزل إحدى الصديقات.فمرحباً بها،ومرحباً في توطيد عرى الصداقة بين مجتمعنا الأهلي في سلمية،وبين كلّ الضيوف الأجانب،الذين يقصدون الشيخ هلال بغرض السياحة البيئية،أو يقصدون قطرنا للاطلاع على معالمه الأثرية،وللتمتع بسحر شمس الشرق،ودفء صحرائه،وروعة باديته،وسلمية ومنذ الأزل كانت ومازالت بوابة البادية،والمحافظة على العادات والتقاليد الأصيلة في إقراء الضيف،والزائر لايحس في جوارنا بالغربة فهو كما قال الشاعر الشريف الرضي:
يُضيفُ فَلا يُمَيَّزُ مَن يَراهُ == أَماراتِ المُضيفِ مِنَ المُضافِ
ودائما ًٍمن يزورنا يلهج بالشكر والثناء لمن أكرموا وفادته،ويعبّر عن سعادته وسروره،وهو بيننا،وكما قالت الصديقة الفرنسية،ومن خلال الحوار الذي أجريتها معها،قالت أولاً وبدون أن أسألها:أنا مسرورة ومبسوطة هنا،وسوف أبقى في سلمية ستة أشهر،وعندما سألتها:هل زوجك مرتاح وسعيد في زيارته لسوريا وسلمية،أجابت بلكنتها العربيّة المكسرة،(إنه سعيد كثير..كثير).
أصدقائي الفرنسيين،أصدقائي ، صحبة اليوم،ليس لي في نهاية مسير اليوم ،إلا أن أودعكم على أمل اللقاء بكم في مسير قادم،في ربوع سلمية (أم القاهرة)كما وصفها عميد الأدب العربي طه حسين،أو كما وصف الصنوبري(عباسي) شوقه لربوعها وفتيتها بقوله:
فاحتراقي بعد الفتى السَّلْمَانيّ == فدعني من بعده واحتراقي
من ترى طارقاً سَلَمْيَةَ يبغي == حَلَباً مَنْ ترى مِنَ الطرّاق
وكما وصفها أبو فراس الحمداني في رحلته مع سيف الدولة وهو يقطع الفيافي والقفار،وصولاً إلى حلب،مروراً بسلمية،في قوله:
قَطَعنَ إِلى الجِبارِ بِنا مَعاناً== وَنَكَّبنَ الصُبَيرَةَ وَالقِبابا
وَجاوَزنَ البَدِيَّةَ صادِياتٍ == يُلاحِظنَ السَرابَ وَلا سَرابا
عَبَرنَ بِماسِحٍ وَاللَيلُ طِفلٌ == وَجِئنَ إِلى سَلَميَةَ حينَ شابا
وكذلك في شعر شيخ الشعراء(أبي الطيب المتنبي)وهو يصف رحلته مع سيف الدولة الحمداني،التي قطعها مروراً بسلمية أيضاً كما في رحلة أبي فراس الحمداني وكلاهما من عصر واحد،وقد مدحا سيف الدولة أمير حلب في ذلك العهد.ويصف كيف أثارت خيله على سلمية غباراً،حتى باتت لاتعرف بعضها البعض..؟؟في قوله:
فَأَقبَلَها المُروجَ مُسَوَّماتٍ == ضَوامِرَ لا هِزالَ وَلا شِيارُ
تُثيرُ عَلى سَلَميَةَ مُسبَطِرّاً == تَناكَرُ نَحتَهُ لَولا الشِعارُ
وكما ودعتكم،فإنّ سلمية لاتودعكم إلا إذا حللتم ضيوفاً عليها،فعلى الرحب والسعة بكلّ ضيف أحبّ زيارتها،ومرافقتنا في مسيرنا الرياضي،والذي سينفذ مستقبلاً خارج سلمية.فأهلاً ومرحباً بالجميع.والملتقى دائماً بكم ومعكم سوف يتمّ على دروب المسير الرياضي.
سلمية في /20/11/2009
الكاتب الصديق:حيدر حيدر
في يوم الجمعة الواقع في/20/11/2009
إلى محور قرى منطقة الشيخ علي:
(( فيروزه ـ الصفاوي ـ الغاوي)).وهي قرى تقع جنوب شرقي سلمية.على بعد،بين (15ـ 20)كم.
انطلق بنا المسير الرياضي لهذا الأسبوع في الصباح الباكر،هذا الصباح الساحر
من صباحات فصل الخريف الجميلة في بلادي يشكل عام،وفي منطقة سلمية بشكل خاص،لأنك ومنذ اللحظة التي تخرج فيها من شوارع المدينة،تستقبلك الطبيعة الحلوة لريفنا الأخضر الزاهي في مثل هذه الأيام،ويحضنك الريف بين أحضانه كعاشق التقى بمن يعشق ويحبّ،وتسحرك الطبيعة بمفاتنها الخلابة وتبادلها الشعور ذاته فتهيم في أفقها الرحب سحراً وفتنة كما هام بجمالها شاعر النيل(حافظ ابراهيم)بقوله:
جَمالُ الطَبيعَةِ في أُفقِها == تَجَلّى عَلى عَرشِهِ وَاِستَوى
وفي أحضانها يبرأ الموصوب من علته،ويجد الشاعر ضالته من الدرر والمعاني،
ويفرّج المكروب عن همّه،ويلهو العاشق الملتاع،فينسى ألم الجوى،ويسلو كلّ بعيد حنين النوى،وهي دواء شاف لمرضى الهوى:
فَقُل لِلحَزينِ وَقُل لِلعَليلِ == وَقُل لِلمَولي هُناكَ الدَوا
وَقُل لِلأَديبِ اِبتَدِر ساحَها == إِذا ما البَيانُ عَلَيكَ اِلتَوى
تَنَسَّم صَباها تُجَدِّد قُواكَ == فَأَرضُ الجَزيرَةِ لا تُجتَوى
فَفيها شِفاءٌ لِمَرضى الهُمومِ == وَمَلهىً كَريمٌ لِمَرضى الهَوى
وَفيها وَفي نيلِها سَلوَةٌ == === لِكُلِّ غَريبٍ رَمَتهُ النَوى
وعبر أحد سهول الريف الكريم المعطاء، وهو سهل الشيخ علي ،والذي يحملك الوجد والحنين إلى ذكريات أيامه الغابرة،عندما كان يروى من ماء عين لاينضب معينها، وما الأوابد الأثرية فوق قمة التلّ وبجواره القناة الرومانية،ذات الفتحات
الضوئية فوق الأرض،بين كلّ مسافة تقطعها،عبر دهليز القناة تحت الأرض.
إلا أطلال تذكرك بمن سكن هذه الديار،فيشدّك الوجد إليها كما شدّ الشاعر(ابراهيم الخياط) 450 - 517 هـ / 1058 - 1123 م شاعر، من الكتاب، من أهل دمشق مولده ووفاته فيها. ذكرى ديار أحبته الذين رحلوا عنه،فوصفها ووصف كرمها بقوله:
لَقَدْ وَجَدَتْ وَجْدِي الدِّيارُ بِأَهْلِها == وَلَو لَمْ تَجِدْ وَجْدِي لَما سَقِمتْ سُقْمِي
مَنازِلُ أَدْراسٌ شَجانِي نُحُولُها == فَهَلاّ شَجاها ناحِلُ الْقَلْبِ وَالْجِسْمِ
سَقاها الْحَيا قَبْلِي فَلَمّا سَقَيْتُها == بِدَمْعِي رَأَتْ فَضْلَ الْوَلِيِّ عَلَى الْوَسْمِي
وَلَوْ أَنَّنِي أَنْصَفْتُها ما عَدَلْتُها == عَنِ الكَرَمِ الْفَيَّاضِ والنّائِلِ الْجَمِّ
ويفتنك بسحره بساط الطبيعة الأخضر النامي،وما يفترشه من أشجار وزينة في البساتين والحقول الممتدة على جانبي الطريق،يزينها فتنة وبهاء شمس الخريف الساطعة ،والتي وصف الشاعر فتنتها من خلال كتمانه لحبّه،وحرارتها التي تكوي ضلوعه، بقوله: من مؤلف: (الوافي بالوفيات ـ صلاح الدين صفدي):
كتم الهوى فوشت عليه دموعه == من حرِّ جمرٍ تحتويه ضلوعه
شمسٌ ولكن في فؤادي حرُّها == بدرٌ ولكن في القباء طلوعه
قال العوازل ما الذي استحسنته == فيه وما يسبيك؟ قلت: جميعه
وكذلك وصف الشاعر في موضع آخر شدة حرارتها بقوله:
خرف الخريف وأنت في شغلٍ == عن بهجة الأيام والحقب
وراقه صفرٌ وقهوتنا ====== صفراء مثل الشمس في لهب
يأتي بها غيري وأشربها ==== ذهباً على ذهبٍ بلا ذهب
ومسير اليوم يعتبر أطول،وأكثر كثافة بالمشاركين من مسير الأسبوع الماضي،
ولقد ذكرني الحشد الهائل الذي يركب ويقف في الحافلة، التي أقلتنا إلى نقطة البداية في مسيرنا،بما يسمونه في دير الزور بـ (فرخ الباص) أو (بوسطة صغيرة)وهي وسيلة من وسائل النقل التي كانت تحملنا من مدينة دير الزور حيث نقيم،إلى القرية التي ندرس فيها واسمها(بقرص)وأنا كنت أسميها (قبرص) بقلب بعض حروفها،تسهيلاً لحفظ اسمها،المهم أنّ هذه الوسيلة العجيبة التي كانت تحملنا نحن معلمي القرية،أو من صادف تعيينه على هذا الطريق الريفي الممتد على طول ثلاثين كيلو متراً،وهم كثر،يضاف إلينا ماكانت تحمله البوسطة من لبن ودجاج وأغنام،كلّه يكدس فوق بعضه البعض في جوفها، وكأنها غواصة ضاقت ذرعاً بعدد وعتاد راكبيها،فما أمتعها من رحلة،تسمع فيها صوت الديكة،وثغاء الأغنام،ورائحة ثياب الركاب التي هي من رائحة لبن وجبن ريف دير الزور الشهيرة.ولن تجد حرجاً،وأنت ملتصق بزميلك ومحشور على مقاعد فرخ الباص هذا،وقد كان أجدر بهم أن يسمونه(مفرخة)لا فرخ،لأنك تجد بجانبك وتحت قدميك، ودون حرج كما ذكرت روث الحيوانات،ومصع الدجاج،وتجد البيض وقد عبئ في أكياس التبن،حتى لايتعرض في رحلته ورحلتنا الشاقة إلى الكسر، وليس مهماً أن ينكسر خاطرنا،من الروائح العطرة التي تنطلق من بين صفوف المقاعد المحنيّة من الثقل على بعضها البعض،وكأنها حنيّة ظهر عجوز جاوزت الثمانين من عمرها.المهم، أن لاتنكسر البيضات التي تحملها المرأة الريفية،التي تجلس بجوارنا حافية القدمين،لا من الفقر والعوز،لا فأهل الدير أغنياء،وغير محتاجين لأحد،وإنما هي عادة درج عليها النسوة خاصة من سكان الريف(ولله في خلقه شؤون).فيالها من ذكريات تعبر الخيال في صفو سماء يوم مسيرنا الرياضي.و قد رافقني في مرحلة من مسيري اليوم،الصديقة السيدة(erny)الفرنسية الجنسيّة،وهذه هي المرة الثانية التي ألتقي بها في مسيرنا الرياضي،وقد رافقها في مسيرها اليوم زوجها الذي قدم من فرنسا،من أجل السياحة في سورية،هذا وقد أعجبت السيّدة الفرنسية والبالغة من العمر الخامسة والستين،وقد تقاعدت مع زوجها منذ فترة في فرنسا،ولكنها حافظت على حيويتها ورشاقتها بالرياضة المنظمة عبر الطبيعة المنبسطة كراحة اليد في بلادها وبلادنا،وكما ذكرت لقد أعجبت هذه السيدة بالمجتمع السلموني عبر إطاره الأهلي والمنظم،وأخذت من خلال رحلاتها المتكررة من وإلى سوريا،بزيارة سلمية،وباشرت بتعلّم اللغة العربيّة الفصحى والعاميّة معاً،وذلك من خلال الحوارات التي تجري بينها وبين كافة الأصدقاء،ومن خلال بعض الزيارات التي تقوم بها،لمنازل البعض ،والتي نشأت بسببها علاقة مودة وصداقة حميمية، تربطها بجميع أفراد أسرة جمعيّة أصدقاء سلمية،وهي في الأساس مقيمة مع زوجها كضيفين كريمين،في منزل إحدى الصديقات.فمرحباً بها،ومرحباً في توطيد عرى الصداقة بين مجتمعنا الأهلي في سلمية،وبين كلّ الضيوف الأجانب،الذين يقصدون الشيخ هلال بغرض السياحة البيئية،أو يقصدون قطرنا للاطلاع على معالمه الأثرية،وللتمتع بسحر شمس الشرق،ودفء صحرائه،وروعة باديته،وسلمية ومنذ الأزل كانت ومازالت بوابة البادية،والمحافظة على العادات والتقاليد الأصيلة في إقراء الضيف،والزائر لايحس في جوارنا بالغربة فهو كما قال الشاعر الشريف الرضي:
يُضيفُ فَلا يُمَيَّزُ مَن يَراهُ == أَماراتِ المُضيفِ مِنَ المُضافِ
ودائما ًٍمن يزورنا يلهج بالشكر والثناء لمن أكرموا وفادته،ويعبّر عن سعادته وسروره،وهو بيننا،وكما قالت الصديقة الفرنسية،ومن خلال الحوار الذي أجريتها معها،قالت أولاً وبدون أن أسألها:أنا مسرورة ومبسوطة هنا،وسوف أبقى في سلمية ستة أشهر،وعندما سألتها:هل زوجك مرتاح وسعيد في زيارته لسوريا وسلمية،أجابت بلكنتها العربيّة المكسرة،(إنه سعيد كثير..كثير).
أصدقائي الفرنسيين،أصدقائي ، صحبة اليوم،ليس لي في نهاية مسير اليوم ،إلا أن أودعكم على أمل اللقاء بكم في مسير قادم،في ربوع سلمية (أم القاهرة)كما وصفها عميد الأدب العربي طه حسين،أو كما وصف الصنوبري(عباسي) شوقه لربوعها وفتيتها بقوله:
فاحتراقي بعد الفتى السَّلْمَانيّ == فدعني من بعده واحتراقي
من ترى طارقاً سَلَمْيَةَ يبغي == حَلَباً مَنْ ترى مِنَ الطرّاق
وكما وصفها أبو فراس الحمداني في رحلته مع سيف الدولة وهو يقطع الفيافي والقفار،وصولاً إلى حلب،مروراً بسلمية،في قوله:
قَطَعنَ إِلى الجِبارِ بِنا مَعاناً== وَنَكَّبنَ الصُبَيرَةَ وَالقِبابا
وَجاوَزنَ البَدِيَّةَ صادِياتٍ == يُلاحِظنَ السَرابَ وَلا سَرابا
عَبَرنَ بِماسِحٍ وَاللَيلُ طِفلٌ == وَجِئنَ إِلى سَلَميَةَ حينَ شابا
وكذلك في شعر شيخ الشعراء(أبي الطيب المتنبي)وهو يصف رحلته مع سيف الدولة الحمداني،التي قطعها مروراً بسلمية أيضاً كما في رحلة أبي فراس الحمداني وكلاهما من عصر واحد،وقد مدحا سيف الدولة أمير حلب في ذلك العهد.ويصف كيف أثارت خيله على سلمية غباراً،حتى باتت لاتعرف بعضها البعض..؟؟في قوله:
فَأَقبَلَها المُروجَ مُسَوَّماتٍ == ضَوامِرَ لا هِزالَ وَلا شِيارُ
تُثيرُ عَلى سَلَميَةَ مُسبَطِرّاً == تَناكَرُ نَحتَهُ لَولا الشِعارُ
وكما ودعتكم،فإنّ سلمية لاتودعكم إلا إذا حللتم ضيوفاً عليها،فعلى الرحب والسعة بكلّ ضيف أحبّ زيارتها،ومرافقتنا في مسيرنا الرياضي،والذي سينفذ مستقبلاً خارج سلمية.فأهلاً ومرحباً بالجميع.والملتقى دائماً بكم ومعكم سوف يتمّ على دروب المسير الرياضي.
سلمية في /20/11/2009
الكاتب الصديق:حيدر حيدر
الرجاء...الرجاء الحارلكم ،تكبير الخط ليقراه زوار المنتدى،وإلا فغنني مضطر إلى عدم المساهمة مجدداً على منتدياتكم.ومع الشكر سلفاً.
الصديق:حيدر حيدر