أثناء تصفحى لموقع عكس السير الاخباري , رأيت المحامي الخاص بالموقع علاء السيد* قد نشر مذكرات رحلته الى تركيا , على علم انه قد تم الغاء الفيزا الى تركيا و أصبح الدخول اليها و الخروج على الهوية و أجرة الطريق فقط , مثل لبنان تماماً
يبدأ بالكتابة فيقول :
"ما أن سمعت بنبأ إلغاء رسم الفيزا بين سورية و تركية ، حتى عقدت العزم على الاكتفاء من تمضية العيد كالعادة في البدروسية و رأس البسيط ، و توجهت أنا و أهل بيتي و أولادي الأربعة باتجاه باب الهوى وهو المنفذ الحدودي الأقرب إلينا في حلب .
من بعيد رأيت بوابتين مخصصتين لدخول رتلين من السيارات . في ظل الغياب الكامل لرجال الشرطة الذين يفترض بهم تنظيم السير ، فسارعت مع أقراني للـ " مطاحشة " ، و تشكيل ما يزيد على عشرة ارتال عرضية سدت الطريق أمام هاتين البوابتين الضيقتين ، و بدأنا جميعا بممارسة الطقس اليومي بالمزاحمة و " المطاحشة "و التدفيش .
ازداد توتر الأجواء و ارتفع الصياح و السباب، و استطعت كالعادة بفهلويتي المعهودة تجاوز دور غيري , و النفاذ إلى الداخل و تجاوزت رجال الحدود السوريين المحافظين على تقاليدهم التي بات من الممل اعادة الحديث عنها.
انطلقت باتجاه الجانب الثاني من الحدود ، فوجئت ببوابة واحدة معدة لدخول السيارات في رتل واحد فقط ، و فوجئت أن ذات السيارات التي كانت تتزاحم قبل قليل ، تقف بانتظام برتل واحد طوله مئات الامتار دون أي خلل.
وبما أن " الفهلوة " هي طريقتنا المعتادة في الخروج من المآزق , خرجت عن الدور و قمت بتشكيل رتل ثان ، ففوجئت برجال الشرطة و الجمارك الأجانب المنتشرين بأعداد كبيرة على طول الطريق , والذين قاموا بتنبيهي ، وإعادتي إلى الطريق القويم .
بعدما عبرنا جميعا بيسر و سهولة ، و بسبب النظام الشديد..... بدأت اشعر بالغربة.
وصلت الفندق ، فإذ به كالقصر ، " قطافة " و نظافة و أبهة و فخامة ، و استلمت غرفتنا المهيبة المجهزة بكل شيء .
بدأت فورا بطلب المزيد من البشاكير و المخدات و الشراشف و علب الشامبو و الصابون ، وكل شيء يمكن أن احصل عليه مجانا ، فالأمر مكسب و أنا دافع مصاري .
شاهدت مسبحا ضخما من نافذة الغرفة ، و تمسكا بتراثنا التليد ارتديت اللباس التقليدي ( الجلابية و الجاروخ أبو إصبع ) ، و طلبت من زوجتي أن ترتدي كل ما لديها من ثياب تمسكا بالحشمة ، و نزلنا مع الأولاد إلى المسبح .
لم افهم لماذا ينظر لي الجميع باستغراب و أنا ارتدي " جلابيتي "، و زوجتي ترتدي كل ما لديها من ثياب على ضفة المسبح ، بل كانوا ينظرون باستغراب أيضا إلى احد أقراني الذي ارتدى طقمه الفرنجي الكامل ( الجاكيت و القميص و البنطلون ) و نزل إلى ضفة المسبح أيضا .
طلبت من أهل بيتي ( زوجتي ) - و هي مثقلة بما ترتدي - أن تجلس في منطقة بعيدة متطرفة كي لا تنكشف على احد ، و سارعت أنا للقيام بجولة أشاهد فيها نساءهم ترتدين لباس البحر ، و أبحلق فيهن براحتي ......ما دمت مطمئنا إلى جلوس زوجتي في منطقة متطرفة لا يستطيع رجالهم رؤيتها فيه .
سارع الأولاد إلى " الزحليطات المائية " التي تصعد إليها بدرج ثم تنحدر عليها بسرعة شديدة إلى المسبح ، و لكن أولادي الذين ورثوا " فهلويتي " و بتشجيع مني ، أدركوا أن الصعود على " الزحليطة " مباشرة بعكس اتجاه النازلين بسرعة عليها ، أمتع من الصعود على الدرج و النزول من أعلى " الزحليطة " .
لم افهم لماذا يصيح جميع النازلين استهجانا لما يفعل أولادي ، و لم افهم لماذا يصفر المشرف على المسبح بصفارته بهذه الشدة .
احترت كيف سيسبح ابني الصغير و هو يرتدي ( الحفاض ) فكلما وضعته في الماء يمتلئ حفاضه بالماء ، و أخيرا قررت أن يسبح كما ولدته أمه فأنا من أنصار العودة إلى أمنا الطبيعة . لم افهم لماذا خرج جميع من حولي من الماء .
و عندما ألحت زوجتي أن تنزل إلى الماء قلت لا بأس بشرط أن تسبحي بما ترتدي من ألبسة كاملة ( على الرغم من أن ألبستها ما أن تبتل بالماء حتى تلتصق بجسدها ) فأنا محافظ و أحب الحشمة ،و أصر على ارتياد مسابح العائلات .
سارعت إلى المطعم عندما سمعت بالوجبة المفتوحة المجانية ، وصرت احمل أكواما من الأطعمة في صحون فوق بعضها البعض ، و أضعها على طاولتي أمام أسرتي .
عندما سألتني زوجتي ماذا سنفعل بكل هذه الكميات قلت لها : " كلي أقصى ما تستطيعين ، مكسب يا عزيزتي ، نحنا قاعدين بمصراتنا " .
فوجئت بمن حولي يجلب صحنا واحدا فقط ، فيه نوع واحد فقط من الطعام يكفي شخصا واحدا طبيعيا .
طلبت من الأولاد أن يضعوا في جيوبهم قدر ما يستطيعون من معلبات الزبدة و المربى و العسل ، فربما نجوع بعدها ( على الرغم من وجود ثلاث وجبات يومية مجانية كاملة ).
قمنا و الأكل كما هو لم نأكل منه سوى سعة بطوننا، ليحمله الجرسون و يرميه في القمامة ( معلش العين كمان بدها تشبع ) .
تساقطت علب الزبدة من جيوب ابني الصغير ودعس فوقها فانفجرت العلب بما فيها على الأرض ، حملته بسرعة كي لا يرانا مسؤلوا الفندق ، و أنا انوي زيادة جرعات " الفهلوة " لديه كي يضع العلب عميقا في جيوبه، و لا يقع في أخطاء كهذه في المرة القادمة. على الرغم من بقاء الزبدة على الأرض و خطورة أن يتزحلق بسببها من يأتي خلفنا ( ليست مشكلتي ).
آن أوان السيجارة المعتادة بعد طعام الغداء ، طلبت منفضة السجائر , فقالوا لي : لا يوجد أي منفضة في الفندق ، فالتدخين ممنوع منعا باتا داخل مبنى الفندق كاملا ، و لا يوجد أبدا من يدخن فيه - بعد صدور قانون يمنع التدخين في الأماكن العامة – و على من يرغب بالتدخين الذهاب للمكان المخصص لذلك في الخارج ( أمام مدخل الفندق) .
شاهدت المكان الانيق المخصص لذلك ، و قد جلس فيه البعض بهدوء ، يدخنون و أمامهم منافض سجائرهم ، فلم يعجبني أن اخرج من الفندق كلما رغبت بالتدخين ، و شعرت انه اعتداء صارخ على حريتي الشخصية .
و بـ "فهلويتي " المعروفة صعدت إلى الطابق الأخير في الفندق، لأشاهد مجموعة من أقراني - يماثلونني فهلوية - يزدحمون وقوفا في ممر متطرف بين غرف الطابق الأخير، يدخنون و يرمون أعقاب السجائر على الموكيت... فلم اشعر بالغربة حينها .
نزلت بعدها إلى المركز الصحي للفندق و دخلت " الساونا " ، و ما أن جلست قليلا حتى انقطعت الكهرباء للحظة - لم تتكرر بعدها - ثرت صائحا بهم: كيف تنقطع الكهرباء في فندق كهذا , فاعتذر المشرف بشدة و همس بأذني " حتى لا تشعر بالغربة " .
نزل أولادي " الحلوين " إلى قسم الألعاب الكهربائية في الفندق ، و ظلوا يضغطون الأزرار باستمرار و بشدة و بعنف ، و أنا بجانبهم أشجعهم ، حتى توقفت الألعاب تماما عن العمل .
في المساء ، شعرت بالحنين لجلساتي المفضلة على اوتوستراد المحلق و اشتهت نفسي " الاركيلة " ، سارعت إلى سيارتي ، أخرجت شنطة " الاركيلة " و الغاز الصغير و بدأت بإشعال الفحم في الشارع ، جلست على الرصيف أمام المدخل الرئيسي الفندق و أمامي حدائقه الجميلة ، استمتع بالمعسل و أراقب الداخلين و الخارجين , فأحسست بذات الشعور على شارع المحلق .
آن أوان الرحيل فطلبت من زوجتي أن تجمع كل ما يمكن حمله من غرفة الفندق ، فـــ" نحنا دافعين مصاري و بدنا نطالعها " ، جمعنا كل ما يمكن حمله . و لكنني عجزت عن انتزاع " لمبات " الإضاءة المثبتة بطريقة لعينة لم تنجح معها " فهلويتي " .
وقفنا أمام المصعد ،و ضغطت على الزر الذي أضاء إيذانا بنزول المصعد الذي تأخر قليلا لوجود العديد من المغادرين .
و " بفهلويتي " أدركت انه كلما ضغطت على الزر الكهربائي للمصعد باستمرار و شدة كلما نزل بشكل أسرع.
و يبدو أن أقراني - المغادرين معي - من ساكني مختلف الطوابق يعرفون هذه المعلومة أيضا ، فقمنا بها جميعا ، إلى أن توقف المصعد تماما عن العمل و احتاج للصيانة , لا بأس فنحن في الطابق الاول ،والنزول سهل .
غادرنا الفندق مودعين ، غير مأسوف علينا .
انتهت المذكرات
كتبت هذه المشاهدات مما رأيته و سمعته في رحلتي تلك- و لئلا يتهمني احد بالاستعلاء - ربما فعلت أنا أيضا بعضٌ مما ذكرت.
كنت أشعر بالاسف و الخجل و أسأل نفسي باستمرار :
لماذا نمارس هذه الهمجية ، و لماذا ابتعدنا عن التصرفات الحضارية و نحن من بلد عريق تجذرت فيه الحضارة و الأخلاق .
لماذا نفعل ما نفعل على الرغم من أن عقيدتنا الدينية تنهانا عن جميع ما شاهدته من ممارسات .
ما الذي جرى حتى تحولنا إلى مجتمع مخرب لا يحترم القانون ، ينظف داخل بيته و يرمي بأوساخه في كل مكان.
هل هناك إمكانية أن نعود إلى أخلاقنا و حضارتنا في المدى المنظور...و ما هي الوسيلة لذلك. .
ربما تكون الشدة في تطبيق القوانين هي الحل فقد التزم الجميع بارتداء حزام الأمان فور صدور قانون السير الجديد و مخالفة من لا يضعه ( أو مضاعفة التسعيرة الفورية لرجال الشرطة ).
عندما صدر قانون ( منع التدخين في الأماكن العامة ) لدينا لم يكترث به احد، صدر قانون ( النظافة العامة ) منذ سنوات ، و هو قانون إذا طبق صارت بلادنا أنظف من أنظف بلاد العالم ، لكنه لم يطبق أبدا.
هل تكفي الشدة في تطبيق القانون لعودة الأخلاق و الحضارة، أم أن الأمر يحتاج الى غير ذلك الكثير........ "
و أنا بدوري أقول , أيها السورييون , إلى متى ؟
هل تعتقد أنك ماشي بالسير بالأمور الفهلوية ؟ أم فعلا عكس السير و تحاول أن تصحح و تأخذ من الغرب الشيء الإيجابي ؟
بالإضافة الى أسئلتي , حاول ان تجيب على تساؤلات السيد علاء
*علاء السيد محام سوري له مجموعة من الأبحاث والدراسات في مجال التاريخ وعدة مقالات منشورة - له كتاب ( حلب العثمانية ) قيد الطبع - المستشار القانوني لموقع عكس السير الإخباري
يبدأ بالكتابة فيقول :
"ما أن سمعت بنبأ إلغاء رسم الفيزا بين سورية و تركية ، حتى عقدت العزم على الاكتفاء من تمضية العيد كالعادة في البدروسية و رأس البسيط ، و توجهت أنا و أهل بيتي و أولادي الأربعة باتجاه باب الهوى وهو المنفذ الحدودي الأقرب إلينا في حلب .
من بعيد رأيت بوابتين مخصصتين لدخول رتلين من السيارات . في ظل الغياب الكامل لرجال الشرطة الذين يفترض بهم تنظيم السير ، فسارعت مع أقراني للـ " مطاحشة " ، و تشكيل ما يزيد على عشرة ارتال عرضية سدت الطريق أمام هاتين البوابتين الضيقتين ، و بدأنا جميعا بممارسة الطقس اليومي بالمزاحمة و " المطاحشة "و التدفيش .
ازداد توتر الأجواء و ارتفع الصياح و السباب، و استطعت كالعادة بفهلويتي المعهودة تجاوز دور غيري , و النفاذ إلى الداخل و تجاوزت رجال الحدود السوريين المحافظين على تقاليدهم التي بات من الممل اعادة الحديث عنها.
انطلقت باتجاه الجانب الثاني من الحدود ، فوجئت ببوابة واحدة معدة لدخول السيارات في رتل واحد فقط ، و فوجئت أن ذات السيارات التي كانت تتزاحم قبل قليل ، تقف بانتظام برتل واحد طوله مئات الامتار دون أي خلل.
وبما أن " الفهلوة " هي طريقتنا المعتادة في الخروج من المآزق , خرجت عن الدور و قمت بتشكيل رتل ثان ، ففوجئت برجال الشرطة و الجمارك الأجانب المنتشرين بأعداد كبيرة على طول الطريق , والذين قاموا بتنبيهي ، وإعادتي إلى الطريق القويم .
بعدما عبرنا جميعا بيسر و سهولة ، و بسبب النظام الشديد..... بدأت اشعر بالغربة.
وصلت الفندق ، فإذ به كالقصر ، " قطافة " و نظافة و أبهة و فخامة ، و استلمت غرفتنا المهيبة المجهزة بكل شيء .
بدأت فورا بطلب المزيد من البشاكير و المخدات و الشراشف و علب الشامبو و الصابون ، وكل شيء يمكن أن احصل عليه مجانا ، فالأمر مكسب و أنا دافع مصاري .
شاهدت مسبحا ضخما من نافذة الغرفة ، و تمسكا بتراثنا التليد ارتديت اللباس التقليدي ( الجلابية و الجاروخ أبو إصبع ) ، و طلبت من زوجتي أن ترتدي كل ما لديها من ثياب تمسكا بالحشمة ، و نزلنا مع الأولاد إلى المسبح .
لم افهم لماذا ينظر لي الجميع باستغراب و أنا ارتدي " جلابيتي "، و زوجتي ترتدي كل ما لديها من ثياب على ضفة المسبح ، بل كانوا ينظرون باستغراب أيضا إلى احد أقراني الذي ارتدى طقمه الفرنجي الكامل ( الجاكيت و القميص و البنطلون ) و نزل إلى ضفة المسبح أيضا .
طلبت من أهل بيتي ( زوجتي ) - و هي مثقلة بما ترتدي - أن تجلس في منطقة بعيدة متطرفة كي لا تنكشف على احد ، و سارعت أنا للقيام بجولة أشاهد فيها نساءهم ترتدين لباس البحر ، و أبحلق فيهن براحتي ......ما دمت مطمئنا إلى جلوس زوجتي في منطقة متطرفة لا يستطيع رجالهم رؤيتها فيه .
سارع الأولاد إلى " الزحليطات المائية " التي تصعد إليها بدرج ثم تنحدر عليها بسرعة شديدة إلى المسبح ، و لكن أولادي الذين ورثوا " فهلويتي " و بتشجيع مني ، أدركوا أن الصعود على " الزحليطة " مباشرة بعكس اتجاه النازلين بسرعة عليها ، أمتع من الصعود على الدرج و النزول من أعلى " الزحليطة " .
لم افهم لماذا يصيح جميع النازلين استهجانا لما يفعل أولادي ، و لم افهم لماذا يصفر المشرف على المسبح بصفارته بهذه الشدة .
احترت كيف سيسبح ابني الصغير و هو يرتدي ( الحفاض ) فكلما وضعته في الماء يمتلئ حفاضه بالماء ، و أخيرا قررت أن يسبح كما ولدته أمه فأنا من أنصار العودة إلى أمنا الطبيعة . لم افهم لماذا خرج جميع من حولي من الماء .
و عندما ألحت زوجتي أن تنزل إلى الماء قلت لا بأس بشرط أن تسبحي بما ترتدي من ألبسة كاملة ( على الرغم من أن ألبستها ما أن تبتل بالماء حتى تلتصق بجسدها ) فأنا محافظ و أحب الحشمة ،و أصر على ارتياد مسابح العائلات .
سارعت إلى المطعم عندما سمعت بالوجبة المفتوحة المجانية ، وصرت احمل أكواما من الأطعمة في صحون فوق بعضها البعض ، و أضعها على طاولتي أمام أسرتي .
عندما سألتني زوجتي ماذا سنفعل بكل هذه الكميات قلت لها : " كلي أقصى ما تستطيعين ، مكسب يا عزيزتي ، نحنا قاعدين بمصراتنا " .
فوجئت بمن حولي يجلب صحنا واحدا فقط ، فيه نوع واحد فقط من الطعام يكفي شخصا واحدا طبيعيا .
طلبت من الأولاد أن يضعوا في جيوبهم قدر ما يستطيعون من معلبات الزبدة و المربى و العسل ، فربما نجوع بعدها ( على الرغم من وجود ثلاث وجبات يومية مجانية كاملة ).
قمنا و الأكل كما هو لم نأكل منه سوى سعة بطوننا، ليحمله الجرسون و يرميه في القمامة ( معلش العين كمان بدها تشبع ) .
تساقطت علب الزبدة من جيوب ابني الصغير ودعس فوقها فانفجرت العلب بما فيها على الأرض ، حملته بسرعة كي لا يرانا مسؤلوا الفندق ، و أنا انوي زيادة جرعات " الفهلوة " لديه كي يضع العلب عميقا في جيوبه، و لا يقع في أخطاء كهذه في المرة القادمة. على الرغم من بقاء الزبدة على الأرض و خطورة أن يتزحلق بسببها من يأتي خلفنا ( ليست مشكلتي ).
آن أوان السيجارة المعتادة بعد طعام الغداء ، طلبت منفضة السجائر , فقالوا لي : لا يوجد أي منفضة في الفندق ، فالتدخين ممنوع منعا باتا داخل مبنى الفندق كاملا ، و لا يوجد أبدا من يدخن فيه - بعد صدور قانون يمنع التدخين في الأماكن العامة – و على من يرغب بالتدخين الذهاب للمكان المخصص لذلك في الخارج ( أمام مدخل الفندق) .
شاهدت المكان الانيق المخصص لذلك ، و قد جلس فيه البعض بهدوء ، يدخنون و أمامهم منافض سجائرهم ، فلم يعجبني أن اخرج من الفندق كلما رغبت بالتدخين ، و شعرت انه اعتداء صارخ على حريتي الشخصية .
و بـ "فهلويتي " المعروفة صعدت إلى الطابق الأخير في الفندق، لأشاهد مجموعة من أقراني - يماثلونني فهلوية - يزدحمون وقوفا في ممر متطرف بين غرف الطابق الأخير، يدخنون و يرمون أعقاب السجائر على الموكيت... فلم اشعر بالغربة حينها .
نزلت بعدها إلى المركز الصحي للفندق و دخلت " الساونا " ، و ما أن جلست قليلا حتى انقطعت الكهرباء للحظة - لم تتكرر بعدها - ثرت صائحا بهم: كيف تنقطع الكهرباء في فندق كهذا , فاعتذر المشرف بشدة و همس بأذني " حتى لا تشعر بالغربة " .
نزل أولادي " الحلوين " إلى قسم الألعاب الكهربائية في الفندق ، و ظلوا يضغطون الأزرار باستمرار و بشدة و بعنف ، و أنا بجانبهم أشجعهم ، حتى توقفت الألعاب تماما عن العمل .
في المساء ، شعرت بالحنين لجلساتي المفضلة على اوتوستراد المحلق و اشتهت نفسي " الاركيلة " ، سارعت إلى سيارتي ، أخرجت شنطة " الاركيلة " و الغاز الصغير و بدأت بإشعال الفحم في الشارع ، جلست على الرصيف أمام المدخل الرئيسي الفندق و أمامي حدائقه الجميلة ، استمتع بالمعسل و أراقب الداخلين و الخارجين , فأحسست بذات الشعور على شارع المحلق .
آن أوان الرحيل فطلبت من زوجتي أن تجمع كل ما يمكن حمله من غرفة الفندق ، فـــ" نحنا دافعين مصاري و بدنا نطالعها " ، جمعنا كل ما يمكن حمله . و لكنني عجزت عن انتزاع " لمبات " الإضاءة المثبتة بطريقة لعينة لم تنجح معها " فهلويتي " .
وقفنا أمام المصعد ،و ضغطت على الزر الذي أضاء إيذانا بنزول المصعد الذي تأخر قليلا لوجود العديد من المغادرين .
و " بفهلويتي " أدركت انه كلما ضغطت على الزر الكهربائي للمصعد باستمرار و شدة كلما نزل بشكل أسرع.
و يبدو أن أقراني - المغادرين معي - من ساكني مختلف الطوابق يعرفون هذه المعلومة أيضا ، فقمنا بها جميعا ، إلى أن توقف المصعد تماما عن العمل و احتاج للصيانة , لا بأس فنحن في الطابق الاول ،والنزول سهل .
غادرنا الفندق مودعين ، غير مأسوف علينا .
انتهت المذكرات
كتبت هذه المشاهدات مما رأيته و سمعته في رحلتي تلك- و لئلا يتهمني احد بالاستعلاء - ربما فعلت أنا أيضا بعضٌ مما ذكرت.
كنت أشعر بالاسف و الخجل و أسأل نفسي باستمرار :
لماذا نمارس هذه الهمجية ، و لماذا ابتعدنا عن التصرفات الحضارية و نحن من بلد عريق تجذرت فيه الحضارة و الأخلاق .
لماذا نفعل ما نفعل على الرغم من أن عقيدتنا الدينية تنهانا عن جميع ما شاهدته من ممارسات .
ما الذي جرى حتى تحولنا إلى مجتمع مخرب لا يحترم القانون ، ينظف داخل بيته و يرمي بأوساخه في كل مكان.
هل هناك إمكانية أن نعود إلى أخلاقنا و حضارتنا في المدى المنظور...و ما هي الوسيلة لذلك. .
ربما تكون الشدة في تطبيق القوانين هي الحل فقد التزم الجميع بارتداء حزام الأمان فور صدور قانون السير الجديد و مخالفة من لا يضعه ( أو مضاعفة التسعيرة الفورية لرجال الشرطة ).
عندما صدر قانون ( منع التدخين في الأماكن العامة ) لدينا لم يكترث به احد، صدر قانون ( النظافة العامة ) منذ سنوات ، و هو قانون إذا طبق صارت بلادنا أنظف من أنظف بلاد العالم ، لكنه لم يطبق أبدا.
هل تكفي الشدة في تطبيق القانون لعودة الأخلاق و الحضارة، أم أن الأمر يحتاج الى غير ذلك الكثير........ "
و أنا بدوري أقول , أيها السورييون , إلى متى ؟
هل تعتقد أنك ماشي بالسير بالأمور الفهلوية ؟ أم فعلا عكس السير و تحاول أن تصحح و تأخذ من الغرب الشيء الإيجابي ؟
بالإضافة الى أسئلتي , حاول ان تجيب على تساؤلات السيد علاء
*علاء السيد محام سوري له مجموعة من الأبحاث والدراسات في مجال التاريخ وعدة مقالات منشورة - له كتاب ( حلب العثمانية ) قيد الطبع - المستشار القانوني لموقع عكس السير الإخباري