من وحي المسير الرياضي إلى جبل( أبي زيد)...
******************************
أيّها الأصدقاء :في صباح هذا اليوم الربيعي والمرتفع الحرارة نسبيّاً قياساً إلى مثل هذه الأيام من شهر آذار في كلّ عام،انطلق مسيرنا الرياضي إلى جبل أبي زيد شمال مدينة سلمية،عبر محور طريق(كيتلون ـ زغرين ـ جبل أبي زيد ـ ذهاباً).و( البويضة ـ سمنة ـزور سمنة ـ تل عدا الشمالي ـ تل عدا الجنوبي ـ إيابا).
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
************************************************
وعلى وقع الخطوات الأولى لرياضة مسير اليوم،أخذت الصديقة التي رافقتني على بعض دروبه الترابيّة ،الممتدّة من بلدة زغرين جنوباً إلى جبل أبي زيد شمالاً،تحدثني عن ضرورة إجراء بعض التمرينات السويدية أثناء تنفيذ المسير، منها:مثلاً تحريك الذراعين في اتجاهات مختلفة، وثني الجذع، والجثو على الركبتين،وغيرها من التمرينات التي وعدت الصديقة المختصة بالرياضة ـ على ما أظنّ ـ أن تكتبها مفصّلة،لكي يتسنّى ذكرها في أسبوعيات المسير،ولكي يستفيد منها كلّ هواة ،ومحبّي رياضة المشي،ومنهم طبعاً أصدقاء المسير الرياضي ،الذين ينفذون اليوم مسيراً جبلياَ،يعتبر ـ كما أعتقد ـ من ناحية تضاريسية امتداداًً إلى سلسلة تلال العلاة من الغرب، وحتى سلسلة تلال إسيرية، وجبل البلعاس من الشمال والشرق، والمتوضّعة على أطراف البادية الشاميّة وهذه المنطقة مشهورة بحجارتها الزرقاء البركانية( كمنطقة الأندرين وقصر ابن وردان)،والتي تحدثنا عنها في مسير سابق،وفي مسير الأسبوع الماضي(الرّبا وعلي كاسون وتل دهب)، والتي كانت أراضيه وتضاريسه، هي امتداد لسهول وتلال مسير اليوم، المشهورة بتربتها الحمراء الخصبة،والتي تزرع وتشتهر بالبقوليات وخاصة العدس،ولكنّ ملامح الجفاف،وندرة المياه السطحيّة والجوفيّة،وهي من خصائص وطبيعة هذا الريف الشمالي من مدينتي الحبيبة سلمية،والذي يعتمد في الدرجة الأولى على الزراعات البعليّة،التي تعتمد على غيث السماء ،ورحمة الله عزّ وجلّ (وفي مثل هذه الأيام الصّعبة،وفي ظلّ انحباس المطر،وارتفاع حرارة الجوّ في غير أوانه، في مثل هذه الأيام الرّبيعية من السنة،ممّا يهدّد جميع المزروعات البعليّة،والأشجار المثمرة باليباس والضرر، ندعو ونبتهل إلى الله أن يغيث عباده وكائناته بالرحمة،ويسقينا من ماء السماء النمير،قال الشاعر (ابن الجنان) من العصر الأندلسي:
الغيث في الغيب لا يدري به أحدٌ == إلا الإله الذي يمني به السحبا
سبحانه وتعالى لا نحيط بما == أخفاه علماً ولا ندري بما حجبا
واسمع معي هذه الأبيات العذبة،للشاعر المغربي(ابن زاكور)وهو يدعو الله أن يغيث داره ويسقيها:
فَيا دارَنا الغَرّا عَلى الرَبوَةِ الخَضرا == لَدى الصَدَفَينِ المُشرِفَينِ عَلى الحَمرا
سَقاكِ رَذاذُ الغَيثِ مِن بَعدِ وَبلِهِ == وَزادَكِ إِلمامُ الصَبا بَهجَةً أُخرى
وَحَيَّتكِ أَنفاسُ الأَزاهِرِ مَوهِناً == وَنَشَّت لَكِ الأَرواحُ مِن طَيِّها نَشرا
وكذلك نحن ندعو الله أن يغيث دارنا وزرعنا وضرعنا من ماء مزنه،وغيثه الوفير.
وعلى وقع دعاء هذا النشيد، والدعاء بالسقيا،بدأت خطوات المسير الأولىـ كما ذكرت آنفاً ـ من بلدة(زغرين) جنوباً،واتجهت شمالاً نحو سفوح وأكمة جبل أبي زيد، المشجّر بغابة صناعيّة من أشجار الصنوبريات والبطم،وأشجار غابة هذا الجبل أشجار باسقة......
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
***********************************************
وكم كنت أتمنى أن تكون مديرية الحراج قد ثبتت لوحات معدنية،تذكر فيها تاريخ تشجير هذه الأشجار وعددها كالتي رأيناها في غابة تلتوت عندما زرناها،وكذلك لوحات توصي بعدم إشعال النار في الغابة،أو الاحتطاب منها،وتؤكد على ضرورة المحافظة علة نظافة الغابة،وإبعاد أيّ مصدر من مصادر التلوث عنها،وتحت الظلال الوارفة لأشجار هذه الغابة.وممّا يبعث على القلق والحزن الشديدين،هو إصابة الصنوبريات عندنا وبالعالم،بحشرة (جندب الصّنوبر)،التي قد تؤدي إلى يباس، وتلف بعض الأشجار التي تظهر على أغصانها هذه الحشرة العنكبوتية،نتمنى من مديرية الحراج أن نبادر فوراً برشّ أشجار الصنوبر في غابات قطرنا،بالمبيدات الهالكة لهذه الحشرة،قبل أن يستفحل المرض،ويستشري، وينتشر على أغصان وجذوع أشجار غاباتنا.
هذا وقد امتدّ مسير اليوم نحو ساعتين من السير الحثيث،قطع فيه الأصدقاء حوالي عشرة كيلو مترات،تخللها استراحة قصيرة، ونقطة تجمّع في قمّة الجبل،ثم تابع الأصدقاء سيرهم بين ضلوع الغابة الصناعية لجبل أبي زيد،وعبر الطرقات المتعرجة على أطراف الغابة كنّا نقف أحياناً،لنحيي جماعة من البدو الذي أنشئوا (عزبة)...
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
************************************************
وخيّموا في هذه المنطقة،والتي من المفروض أن تكون منطقة محميّة،غير مسموح بالرعي فيها،لأنها غابة حراجية.كم هي قاسية حياة البدو،وتتصف بالضّنك والبؤس،على الرغم أنّ حياتهم قد تحسّنت وتطوّرت عن ذي قبل،وقد قارن أبو نواس ـ الذي لم تعجبه حياة البدو ـ بين العيش في زرابيهم،وبين العيش في رواق إيوان كسرى،فقال:
فَأَينَ البَدوُ مِن إيوانِ كِسرى == وَأَينَ مِنَ المَيادينِ الزُروبُ
فَهَذا العَيشُ لا خِيَمُ البَوادي == وَهَذا العَيشُ لا اللَبَنُ الحَليبُ
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
*************************************************
وبعد تجاوز هذا المسير الجبلي المضني، جلس الأصدقاء يستريحون من عنائه ،
وكالعادة ليحتسوا كؤوس المتة، ويتبادلوا الأحاديث الوديّة وليمارسوا الألعاب الرياضية المتنوعة،وليدقوا على الإيقاع، ويغنّوا تعبيراً عن فرحهم وسعادتهم بأجوائه الحميمية الدافئة، والمنتشية بالمحبّة والاحترام المتبادل،والزاخرة بكلّ فيض من الصداقة المثلى،المبنيّة على أسس المجتمع المدني،ومنها العمل الطوعي، والاعتراف بالآخر، بعيداً عن أيّة نرجسيّة ذاتية،بل تزخر بمشاعر فياضة وصادقة من الإيثار،وخدمة الجميع من أجل الجميع،(خدمة سلمية وأبناء سلمية).
أيها الأصدقاء..عشّاق المسير الرياضي،والمتابعون لحلقاته الأسبوعيّة على المنتديات العديدة،والمساهمون في الرّدود على موضوعاته المتنوعة بكلّ رغبة وإعجاب..شكراً لكم ولمرروكم به، أينما كنتم، وعلى كافة المواقع والمنتديات، شكراً لأقلامكم المبدعة.شكراً لردودكم المعبّرة عن صدق مشاعركم، نحو أصدقاء المسير،وفعاليات المسير،الذي أصبحنا على موعد معه في كلّ أسبوع،يسافر بنا عبر الطبيعة الغنّاء، كما تسافر الأحلام الورديّة بعاشق، سرق من الزمن لحظة، ليلتقي بمن يحبّ ويهوى،أو كما تسافر الأطياف الساحرة بشاعر،جلس ينظم قصيدة عن الحبّ والشباب،صورها ملوّنة بألوان أقاحي وأزهار مسير اليوم،وكلماتها من مستمدّة من حوارات الأصدقاء العذبة على دروب المسير،وألحانها الساحرة يعزفها إيقاع أغنيات وأهازيج شباب وصبايا هذا المسير،وكلّ مسير،ماأبهاك أيّها المسير الرياضي وماأعذبك ستظلّ مفعماً بكلّ جديد وجديد..من ابتسامة ساحرة ترسم على شفاه طفلة هي أصغر أصدقاء المسير سنّاً،إلى التعرّف على أصدقاء جدد من شتى بقاع وأصقاع الأرض،وكأنّهم سمعوا بمسيرنا الرياضي،فجاؤوا يشاركوننا سعادة وأفراح المسير،ويسعدني اليوم ،أن أرحب وأصدقاء المسير، بالصديق الجديد(سمير قسام)ذي الاسم والملامح العربيّة،الذي رفد مسيرنا في هذا الأسبوع، وأغناه بطاقات شابة ومعرفية، وثقافية من لون ومذاق آخر،فصديقنا(سمير)الذي تقرأ في ملامحه بساطة المهاتما غاندي، وحكمته،وثقافة نهرو مؤسس الهند العظيم، يشدّك النّظر إلى محياه المبتسم دائماً،وطوله اليافع،وسمرته القمحيّة،ولطفه، ودماثته.
ويجذبك الحوار معه إلى عذوبة حديثه،فكأّنك عندما تصغي إليه، وتلتقيه لأول مرّة،تعرفه منذ زمن طويل،مع أنّه من أبوين ينتميان في جذورهما التاريخية والعرقية إلى الأمة الهندية، وبالتحديد من محافظة(جوطرات) في الهند،ولكنّهما(كما حدّثنا)ولدا وعاشا فترة في تنزانيا،ثم انتقلا ليعيشا في بريطانيا،حيث يعمل والده هناك بالتجارة،يتقن صديقنا سمير اللغتين الانكليزية والإسبانية،ويتكلّم العربيّة الفصحى حيث تلقّى دروساً لتعليمها في معهد مختص بالقاهرة، و هو الآن، يتكلّمها بشكل جيّد،و بصحبتنا، يتعلّم اللهجات الدراجة من منابعها الشعبيّة، ومنها اللهجة السلمونية القحّة،حيث يلقنه إياها عصافير المسير،وصديقنا سمير يعمل اليوم في تقوية قواعد المخاطبة والمحادثة باللغة الإنكليزية، عند بعض المختصين في تدريسها، على الساحة المحليّة ،من خلال برنامج التعليمي في مؤسسة آغا خان للغات،ومن خلال الحديث الذي دار مع الصديق سمير، وبحضور عدد من أصدقاء وصديقات المسير؛ ـ الذين أبدوا رغبة في أن يحادثهم صديقنا باللغة الإنكليزية،حتى تقوى لغة المخاطبة والمحادثة عندهم ـ،تبيّن أنّ صديقنا الذي رفض أن يسمّي المهمّة التي يقوم بها،مهمّة مدرس،وبالتالي رفض أن يسمي العلاقة التي تربطه بمن يتواصل معهم علاقة مدرس بطلابه،وإنما كما سماها،علاقة صداقة وتواصل وتجاذب ومحادثة ،تسهم في تمكين مدرسي اللغة الأجنبيّة، من تقوية أسلوبهم،وتصحيح لفظهم،وإثراء ذخيرتهم اللغوية،ومهما أطلقنا على هذه الدورة التدريبية من أسماء،فهي لاشك تسهم في تأسيس هذه الكوادر التعليميّة الناهضة على أساس لغوي، وتقني صحيحين،رحبّوا معي بصديقنا سمير وامنحوه شرف العضوية في جمعية أصدقاء سلمية،ورحبوا به أولاً وأخيراً شاباً طموحاً، وصديقاَ فعالاً من اًصدقاء المسير الرياضي في هذا اليوم، وفي كلّ مسير يشرفنا فيه،والذي من أوّل أهدافه التعرّف على أصدقاء جدد من بيئات وأقطار متعددة،وفي هذا الصدد نذكّر بالصديقة (آمال)التي هي من أصل جزائري،والصديقة الفرنسية الأصل السيّدة(ايرني وزوجها)، وغيرهم الكثير ،وربما لاأعرف أسماءهم وصفاتهم والذين كان للمسير الرياضي شرف استضافتهم على دروبه،والتعرّف عليهم وعلى ثقافاتهم الغنيّة والمتنوعة.فالمسير الرياض في هذا التنوّع الثقافي أشبه بحديقة غنّاء، تنوّعت ألوان وأنواع ورودها ورياحينها،وأيضاً يكسبنا المسير الرياضي على السّاحة المحليّة، التعرّف على نشاطات، وإبداعات بعض أصدقاء المسير،فمنذ فترة تعرفنا على الفنان (محمد النظامي)،وإبداعه في حياكة اللوحات النحاسيّة،واليوم سوف نتعرّف على النشاط الرياضي، عند صديق من أصدقاء المسير،هو الصديق(خضر الدبيّات)وهنا أحبّ أن أورد هذه الطرفة العابرة، التي حدثت عندما سأله صديقنا الجديد (سمير قسام)عن اسمه،وأجابه،فردّد صديقنا الذي لم يسمع الاسم بشكل جيّد وقال(خضروات)وضحك الأصدقاء المصغون للحديث جميعاً،وصديقنا خضر من الفريق الرياضي الذي شارك في دورة اليوبيل التي جرت منذ عامين في نيروبي على مستوى الجمهورية، وفاز بالميدالية الذهبيّة عن سبق الجري لمسافة(5000)م قطعها بحوالي ست عشرة دقيفة،مبروك عليه وعلينا فوزه،ونتمنى له ولشبابنا جميعاً، مزيداً من الفوز والنجاحات في سباقات قادمة.
وفصل الربيع الذي يغمرنا بجماله، وخضرته، وعطائه، هو أشبه بفصل الشباب الذي تحدثنا عنه،عندما وصفنا نشاط وعطاء شباب المسير وضيوفه،والذي يجب على شبابنا أن يستثمروه قبل فوات الأوان، كما تقول حكمة الشاعر(إبراهيم الأكرمي) من العصر العثماني في هذه القصيدة ،العذبة في ألفاظها،الجميلة في معانيها:
انظر إلى فصل الربي == ع كأنَّه فصل الشَّباب
والزَّهر مثل خلائق ال == أصحاب من زهر الصِّحاب
وغصون بانات اللِّوى == كمعاطف الهيف الرِّطاب
والورد أشبه بالخدو == د من الشِّفاه على الشَّراب
وأصابع المنثور مس == رعةً تشير إلى الرِّقاب
وأكفَّ أوراق الغصو == ن تظلُّ تدعو بالمتاب
فاعكف على روضاته == فالورد دان إلى الذَّهاب
متمتِّعاً بنعيمه ==من قبل بينٍ وانتياب
فجميع ما فوق التُّرا == ب من التُّراب إلى التُّراب
ما أجملك يافصل الربيع فأنت مصدر إلهام الشعراء،وفي رياضك وسهوبك الخضراء،تابع مسيرنا طريقه سيراً على الأقدام ....
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
*************************************************
نحو قرية البويضة،التي بدت من بعيد،كحمامة بيضاء فرشت جناحيها على بطن واد ، حيث استقرّ جزء منها في جوفه،بينما تناثرت بقية البيوت، وغفت على كتف سفح تلّ مجاور،وكأنّها ببيوتها الحجرية المتهالكة الزرفاء،أشبه بعجوز متهالكة تتكىء على عكازها الخشبي، ولكنّ منظرها يعبّر عن الأصالة والتراث، الذي شيّدت فيه قرى ريفنا في الماضي،والذي لاتزال أطلاله المعمارية الحجرية أو الترابية باقية في هذه القرية،أو في بقيّة قرى ريفنا الأخضر الشاسع الامتداد.ومن قرية البويضة بدأ مشوار العودة على متن الحافلة،التي كانت تغنّي وتهزج وتزغرد لأغاني صبايا وشباب المسير،والتي بدت على شكل مسابقة تظهر مقدرة من يأتي بأغنية أو بيتاً من الشعر،ثم يتسابق الآخرون بالإتيان بأغنية أخرى، شرط أن يبدأ أول حرف فيها،بقافية الحرف الأخير من الأغنية السابقة،أو قافية بيت الشعر،ولقد سمعت أحد الأصدقاء،ينشد هذا البيت:
إنّ العيون التي في طرفها حور == قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وهو من قصيدة طويلة للشاعر بشار بن برد(وفي موضع آخر،لجرير) يقول فيها:
وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورَتُها == باتَت تُغَنّي عَميدَ القَلبِ سَكرانا
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ == قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا
يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ == وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا
يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ == وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
فَأَسمِعينِيَ صَوتاً مُطرِباً هَزَجاً == يَزيدُ صَبّاً مُحِبّاً فيكِ أَشجانا
وعلى صوت إيقاع أغاني ،وأهازيج صبايا وشباب المسير، وبأجواء من البهجة والمسرة، تنتهي رحلة مسير اليوم،ليبدأ بعدها انتظار الأصدقاء لزمان ومكان مسير الأسبوع القادم.شكرأ لأصدقاء المسير لمواظبتهم على المشاركة فيه،وشكراً للقائمين عليه،على حسن التنظيم والانضباط.
وأخيراً،وقبل أن نودعكم ،اسمحوا لي وباسم أصدقاء المسير أن أقدّم التهنئة إلى الصديق(حسن جعفر)الذي انتخب مؤخراً عضواً في مجلس إدارة جمعيّة أصدقاء سلمية،والصديق حسن غنيّ عن التعريف،فهو عضو نشيط وفعّال في الجمعيّة،ومن الأسرة المنظمة للمسير الرياضي،نتمنى له ولأصدقائه الذين نجحوا معه،التوفيق والنجاح في مهامهم البيئية، والثقافية، والسياحية، التي تنبثق من الأهداف الوطنية والإنسانيّة لهذه الجمعيّة بشكل خاص،والعمل الأهلي بشكل عام.ونتمنّى ومن خلالهم دوماً، أن يجد الرأي الآخر آذاناً صاغية في جمعيّتنا.وأن نقرن ذلك بالأعمال،لا بالأقوال،كما يقول الشاعر أبو تمام:
لا يَطمَعُ المَرءُ أَن يَجتابَ غَمرَتَهُ == بِالقَولِ ما لَم يَكُن جِسراً لَهُ العَمَلُ
ويقول الشاعر (أحمد الكناني) من مصر،في معرض حثّه على العمل،والإخلاص به:
ما دامَ رائِدَنا الإِخلاصُ في العَمَلِ == لا بُدَّ نَبلغُ يَوماً غايَةَ الأَمَلِ
وَذو العَزيمَةِ إِن رام المُحالَ فَلا == يحولُ دونَ مناه أَوعرُ السُبُلِ
والله الموفّق.
وإلى أن ألتقيكم بعون الله في مسير قادم، أتمنّى للجميع السعادة والحبور.
سلمية في /13/3/2010
الصديق حيدر حيدر
******************************
أيّها الأصدقاء :في صباح هذا اليوم الربيعي والمرتفع الحرارة نسبيّاً قياساً إلى مثل هذه الأيام من شهر آذار في كلّ عام،انطلق مسيرنا الرياضي إلى جبل أبي زيد شمال مدينة سلمية،عبر محور طريق(كيتلون ـ زغرين ـ جبل أبي زيد ـ ذهاباً).و( البويضة ـ سمنة ـزور سمنة ـ تل عدا الشمالي ـ تل عدا الجنوبي ـ إيابا).
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
************************************************
وعلى وقع الخطوات الأولى لرياضة مسير اليوم،أخذت الصديقة التي رافقتني على بعض دروبه الترابيّة ،الممتدّة من بلدة زغرين جنوباً إلى جبل أبي زيد شمالاً،تحدثني عن ضرورة إجراء بعض التمرينات السويدية أثناء تنفيذ المسير، منها:مثلاً تحريك الذراعين في اتجاهات مختلفة، وثني الجذع، والجثو على الركبتين،وغيرها من التمرينات التي وعدت الصديقة المختصة بالرياضة ـ على ما أظنّ ـ أن تكتبها مفصّلة،لكي يتسنّى ذكرها في أسبوعيات المسير،ولكي يستفيد منها كلّ هواة ،ومحبّي رياضة المشي،ومنهم طبعاً أصدقاء المسير الرياضي ،الذين ينفذون اليوم مسيراً جبلياَ،يعتبر ـ كما أعتقد ـ من ناحية تضاريسية امتداداًً إلى سلسلة تلال العلاة من الغرب، وحتى سلسلة تلال إسيرية، وجبل البلعاس من الشمال والشرق، والمتوضّعة على أطراف البادية الشاميّة وهذه المنطقة مشهورة بحجارتها الزرقاء البركانية( كمنطقة الأندرين وقصر ابن وردان)،والتي تحدثنا عنها في مسير سابق،وفي مسير الأسبوع الماضي(الرّبا وعلي كاسون وتل دهب)، والتي كانت أراضيه وتضاريسه، هي امتداد لسهول وتلال مسير اليوم، المشهورة بتربتها الحمراء الخصبة،والتي تزرع وتشتهر بالبقوليات وخاصة العدس،ولكنّ ملامح الجفاف،وندرة المياه السطحيّة والجوفيّة،وهي من خصائص وطبيعة هذا الريف الشمالي من مدينتي الحبيبة سلمية،والذي يعتمد في الدرجة الأولى على الزراعات البعليّة،التي تعتمد على غيث السماء ،ورحمة الله عزّ وجلّ (وفي مثل هذه الأيام الصّعبة،وفي ظلّ انحباس المطر،وارتفاع حرارة الجوّ في غير أوانه، في مثل هذه الأيام الرّبيعية من السنة،ممّا يهدّد جميع المزروعات البعليّة،والأشجار المثمرة باليباس والضرر، ندعو ونبتهل إلى الله أن يغيث عباده وكائناته بالرحمة،ويسقينا من ماء السماء النمير،قال الشاعر (ابن الجنان) من العصر الأندلسي:
الغيث في الغيب لا يدري به أحدٌ == إلا الإله الذي يمني به السحبا
سبحانه وتعالى لا نحيط بما == أخفاه علماً ولا ندري بما حجبا
واسمع معي هذه الأبيات العذبة،للشاعر المغربي(ابن زاكور)وهو يدعو الله أن يغيث داره ويسقيها:
فَيا دارَنا الغَرّا عَلى الرَبوَةِ الخَضرا == لَدى الصَدَفَينِ المُشرِفَينِ عَلى الحَمرا
سَقاكِ رَذاذُ الغَيثِ مِن بَعدِ وَبلِهِ == وَزادَكِ إِلمامُ الصَبا بَهجَةً أُخرى
وَحَيَّتكِ أَنفاسُ الأَزاهِرِ مَوهِناً == وَنَشَّت لَكِ الأَرواحُ مِن طَيِّها نَشرا
وكذلك نحن ندعو الله أن يغيث دارنا وزرعنا وضرعنا من ماء مزنه،وغيثه الوفير.
وعلى وقع دعاء هذا النشيد، والدعاء بالسقيا،بدأت خطوات المسير الأولىـ كما ذكرت آنفاً ـ من بلدة(زغرين) جنوباً،واتجهت شمالاً نحو سفوح وأكمة جبل أبي زيد، المشجّر بغابة صناعيّة من أشجار الصنوبريات والبطم،وأشجار غابة هذا الجبل أشجار باسقة......
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
***********************************************
وكم كنت أتمنى أن تكون مديرية الحراج قد ثبتت لوحات معدنية،تذكر فيها تاريخ تشجير هذه الأشجار وعددها كالتي رأيناها في غابة تلتوت عندما زرناها،وكذلك لوحات توصي بعدم إشعال النار في الغابة،أو الاحتطاب منها،وتؤكد على ضرورة المحافظة علة نظافة الغابة،وإبعاد أيّ مصدر من مصادر التلوث عنها،وتحت الظلال الوارفة لأشجار هذه الغابة.وممّا يبعث على القلق والحزن الشديدين،هو إصابة الصنوبريات عندنا وبالعالم،بحشرة (جندب الصّنوبر)،التي قد تؤدي إلى يباس، وتلف بعض الأشجار التي تظهر على أغصانها هذه الحشرة العنكبوتية،نتمنى من مديرية الحراج أن نبادر فوراً برشّ أشجار الصنوبر في غابات قطرنا،بالمبيدات الهالكة لهذه الحشرة،قبل أن يستفحل المرض،ويستشري، وينتشر على أغصان وجذوع أشجار غاباتنا.
هذا وقد امتدّ مسير اليوم نحو ساعتين من السير الحثيث،قطع فيه الأصدقاء حوالي عشرة كيلو مترات،تخللها استراحة قصيرة، ونقطة تجمّع في قمّة الجبل،ثم تابع الأصدقاء سيرهم بين ضلوع الغابة الصناعية لجبل أبي زيد،وعبر الطرقات المتعرجة على أطراف الغابة كنّا نقف أحياناً،لنحيي جماعة من البدو الذي أنشئوا (عزبة)...
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
************************************************
وخيّموا في هذه المنطقة،والتي من المفروض أن تكون منطقة محميّة،غير مسموح بالرعي فيها،لأنها غابة حراجية.كم هي قاسية حياة البدو،وتتصف بالضّنك والبؤس،على الرغم أنّ حياتهم قد تحسّنت وتطوّرت عن ذي قبل،وقد قارن أبو نواس ـ الذي لم تعجبه حياة البدو ـ بين العيش في زرابيهم،وبين العيش في رواق إيوان كسرى،فقال:
فَأَينَ البَدوُ مِن إيوانِ كِسرى == وَأَينَ مِنَ المَيادينِ الزُروبُ
فَهَذا العَيشُ لا خِيَمُ البَوادي == وَهَذا العَيشُ لا اللَبَنُ الحَليبُ
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
*************************************************
وبعد تجاوز هذا المسير الجبلي المضني، جلس الأصدقاء يستريحون من عنائه ،
وكالعادة ليحتسوا كؤوس المتة، ويتبادلوا الأحاديث الوديّة وليمارسوا الألعاب الرياضية المتنوعة،وليدقوا على الإيقاع، ويغنّوا تعبيراً عن فرحهم وسعادتهم بأجوائه الحميمية الدافئة، والمنتشية بالمحبّة والاحترام المتبادل،والزاخرة بكلّ فيض من الصداقة المثلى،المبنيّة على أسس المجتمع المدني،ومنها العمل الطوعي، والاعتراف بالآخر، بعيداً عن أيّة نرجسيّة ذاتية،بل تزخر بمشاعر فياضة وصادقة من الإيثار،وخدمة الجميع من أجل الجميع،(خدمة سلمية وأبناء سلمية).
أيها الأصدقاء..عشّاق المسير الرياضي،والمتابعون لحلقاته الأسبوعيّة على المنتديات العديدة،والمساهمون في الرّدود على موضوعاته المتنوعة بكلّ رغبة وإعجاب..شكراً لكم ولمرروكم به، أينما كنتم، وعلى كافة المواقع والمنتديات، شكراً لأقلامكم المبدعة.شكراً لردودكم المعبّرة عن صدق مشاعركم، نحو أصدقاء المسير،وفعاليات المسير،الذي أصبحنا على موعد معه في كلّ أسبوع،يسافر بنا عبر الطبيعة الغنّاء، كما تسافر الأحلام الورديّة بعاشق، سرق من الزمن لحظة، ليلتقي بمن يحبّ ويهوى،أو كما تسافر الأطياف الساحرة بشاعر،جلس ينظم قصيدة عن الحبّ والشباب،صورها ملوّنة بألوان أقاحي وأزهار مسير اليوم،وكلماتها من مستمدّة من حوارات الأصدقاء العذبة على دروب المسير،وألحانها الساحرة يعزفها إيقاع أغنيات وأهازيج شباب وصبايا هذا المسير،وكلّ مسير،ماأبهاك أيّها المسير الرياضي وماأعذبك ستظلّ مفعماً بكلّ جديد وجديد..من ابتسامة ساحرة ترسم على شفاه طفلة هي أصغر أصدقاء المسير سنّاً،إلى التعرّف على أصدقاء جدد من شتى بقاع وأصقاع الأرض،وكأنّهم سمعوا بمسيرنا الرياضي،فجاؤوا يشاركوننا سعادة وأفراح المسير،ويسعدني اليوم ،أن أرحب وأصدقاء المسير، بالصديق الجديد(سمير قسام)ذي الاسم والملامح العربيّة،الذي رفد مسيرنا في هذا الأسبوع، وأغناه بطاقات شابة ومعرفية، وثقافية من لون ومذاق آخر،فصديقنا(سمير)الذي تقرأ في ملامحه بساطة المهاتما غاندي، وحكمته،وثقافة نهرو مؤسس الهند العظيم، يشدّك النّظر إلى محياه المبتسم دائماً،وطوله اليافع،وسمرته القمحيّة،ولطفه، ودماثته.
ويجذبك الحوار معه إلى عذوبة حديثه،فكأّنك عندما تصغي إليه، وتلتقيه لأول مرّة،تعرفه منذ زمن طويل،مع أنّه من أبوين ينتميان في جذورهما التاريخية والعرقية إلى الأمة الهندية، وبالتحديد من محافظة(جوطرات) في الهند،ولكنّهما(كما حدّثنا)ولدا وعاشا فترة في تنزانيا،ثم انتقلا ليعيشا في بريطانيا،حيث يعمل والده هناك بالتجارة،يتقن صديقنا سمير اللغتين الانكليزية والإسبانية،ويتكلّم العربيّة الفصحى حيث تلقّى دروساً لتعليمها في معهد مختص بالقاهرة، و هو الآن، يتكلّمها بشكل جيّد،و بصحبتنا، يتعلّم اللهجات الدراجة من منابعها الشعبيّة، ومنها اللهجة السلمونية القحّة،حيث يلقنه إياها عصافير المسير،وصديقنا سمير يعمل اليوم في تقوية قواعد المخاطبة والمحادثة باللغة الإنكليزية، عند بعض المختصين في تدريسها، على الساحة المحليّة ،من خلال برنامج التعليمي في مؤسسة آغا خان للغات،ومن خلال الحديث الذي دار مع الصديق سمير، وبحضور عدد من أصدقاء وصديقات المسير؛ ـ الذين أبدوا رغبة في أن يحادثهم صديقنا باللغة الإنكليزية،حتى تقوى لغة المخاطبة والمحادثة عندهم ـ،تبيّن أنّ صديقنا الذي رفض أن يسمّي المهمّة التي يقوم بها،مهمّة مدرس،وبالتالي رفض أن يسمي العلاقة التي تربطه بمن يتواصل معهم علاقة مدرس بطلابه،وإنما كما سماها،علاقة صداقة وتواصل وتجاذب ومحادثة ،تسهم في تمكين مدرسي اللغة الأجنبيّة، من تقوية أسلوبهم،وتصحيح لفظهم،وإثراء ذخيرتهم اللغوية،ومهما أطلقنا على هذه الدورة التدريبية من أسماء،فهي لاشك تسهم في تأسيس هذه الكوادر التعليميّة الناهضة على أساس لغوي، وتقني صحيحين،رحبّوا معي بصديقنا سمير وامنحوه شرف العضوية في جمعية أصدقاء سلمية،ورحبوا به أولاً وأخيراً شاباً طموحاً، وصديقاَ فعالاً من اًصدقاء المسير الرياضي في هذا اليوم، وفي كلّ مسير يشرفنا فيه،والذي من أوّل أهدافه التعرّف على أصدقاء جدد من بيئات وأقطار متعددة،وفي هذا الصدد نذكّر بالصديقة (آمال)التي هي من أصل جزائري،والصديقة الفرنسية الأصل السيّدة(ايرني وزوجها)، وغيرهم الكثير ،وربما لاأعرف أسماءهم وصفاتهم والذين كان للمسير الرياضي شرف استضافتهم على دروبه،والتعرّف عليهم وعلى ثقافاتهم الغنيّة والمتنوعة.فالمسير الرياض في هذا التنوّع الثقافي أشبه بحديقة غنّاء، تنوّعت ألوان وأنواع ورودها ورياحينها،وأيضاً يكسبنا المسير الرياضي على السّاحة المحليّة، التعرّف على نشاطات، وإبداعات بعض أصدقاء المسير،فمنذ فترة تعرفنا على الفنان (محمد النظامي)،وإبداعه في حياكة اللوحات النحاسيّة،واليوم سوف نتعرّف على النشاط الرياضي، عند صديق من أصدقاء المسير،هو الصديق(خضر الدبيّات)وهنا أحبّ أن أورد هذه الطرفة العابرة، التي حدثت عندما سأله صديقنا الجديد (سمير قسام)عن اسمه،وأجابه،فردّد صديقنا الذي لم يسمع الاسم بشكل جيّد وقال(خضروات)وضحك الأصدقاء المصغون للحديث جميعاً،وصديقنا خضر من الفريق الرياضي الذي شارك في دورة اليوبيل التي جرت منذ عامين في نيروبي على مستوى الجمهورية، وفاز بالميدالية الذهبيّة عن سبق الجري لمسافة(5000)م قطعها بحوالي ست عشرة دقيفة،مبروك عليه وعلينا فوزه،ونتمنى له ولشبابنا جميعاً، مزيداً من الفوز والنجاحات في سباقات قادمة.
وفصل الربيع الذي يغمرنا بجماله، وخضرته، وعطائه، هو أشبه بفصل الشباب الذي تحدثنا عنه،عندما وصفنا نشاط وعطاء شباب المسير وضيوفه،والذي يجب على شبابنا أن يستثمروه قبل فوات الأوان، كما تقول حكمة الشاعر(إبراهيم الأكرمي) من العصر العثماني في هذه القصيدة ،العذبة في ألفاظها،الجميلة في معانيها:
انظر إلى فصل الربي == ع كأنَّه فصل الشَّباب
والزَّهر مثل خلائق ال == أصحاب من زهر الصِّحاب
وغصون بانات اللِّوى == كمعاطف الهيف الرِّطاب
والورد أشبه بالخدو == د من الشِّفاه على الشَّراب
وأصابع المنثور مس == رعةً تشير إلى الرِّقاب
وأكفَّ أوراق الغصو == ن تظلُّ تدعو بالمتاب
فاعكف على روضاته == فالورد دان إلى الذَّهاب
متمتِّعاً بنعيمه ==من قبل بينٍ وانتياب
فجميع ما فوق التُّرا == ب من التُّراب إلى التُّراب
ما أجملك يافصل الربيع فأنت مصدر إلهام الشعراء،وفي رياضك وسهوبك الخضراء،تابع مسيرنا طريقه سيراً على الأقدام ....
*************************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
*************************************************
نحو قرية البويضة،التي بدت من بعيد،كحمامة بيضاء فرشت جناحيها على بطن واد ، حيث استقرّ جزء منها في جوفه،بينما تناثرت بقية البيوت، وغفت على كتف سفح تلّ مجاور،وكأنّها ببيوتها الحجرية المتهالكة الزرفاء،أشبه بعجوز متهالكة تتكىء على عكازها الخشبي، ولكنّ منظرها يعبّر عن الأصالة والتراث، الذي شيّدت فيه قرى ريفنا في الماضي،والذي لاتزال أطلاله المعمارية الحجرية أو الترابية باقية في هذه القرية،أو في بقيّة قرى ريفنا الأخضر الشاسع الامتداد.ومن قرية البويضة بدأ مشوار العودة على متن الحافلة،التي كانت تغنّي وتهزج وتزغرد لأغاني صبايا وشباب المسير،والتي بدت على شكل مسابقة تظهر مقدرة من يأتي بأغنية أو بيتاً من الشعر،ثم يتسابق الآخرون بالإتيان بأغنية أخرى، شرط أن يبدأ أول حرف فيها،بقافية الحرف الأخير من الأغنية السابقة،أو قافية بيت الشعر،ولقد سمعت أحد الأصدقاء،ينشد هذا البيت:
إنّ العيون التي في طرفها حور == قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وهو من قصيدة طويلة للشاعر بشار بن برد(وفي موضع آخر،لجرير) يقول فيها:
وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورَتُها == باتَت تُغَنّي عَميدَ القَلبِ سَكرانا
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ == قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا
يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ == وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا
يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ == وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
فَأَسمِعينِيَ صَوتاً مُطرِباً هَزَجاً == يَزيدُ صَبّاً مُحِبّاً فيكِ أَشجانا
وعلى صوت إيقاع أغاني ،وأهازيج صبايا وشباب المسير، وبأجواء من البهجة والمسرة، تنتهي رحلة مسير اليوم،ليبدأ بعدها انتظار الأصدقاء لزمان ومكان مسير الأسبوع القادم.شكرأ لأصدقاء المسير لمواظبتهم على المشاركة فيه،وشكراً للقائمين عليه،على حسن التنظيم والانضباط.
وأخيراً،وقبل أن نودعكم ،اسمحوا لي وباسم أصدقاء المسير أن أقدّم التهنئة إلى الصديق(حسن جعفر)الذي انتخب مؤخراً عضواً في مجلس إدارة جمعيّة أصدقاء سلمية،والصديق حسن غنيّ عن التعريف،فهو عضو نشيط وفعّال في الجمعيّة،ومن الأسرة المنظمة للمسير الرياضي،نتمنى له ولأصدقائه الذين نجحوا معه،التوفيق والنجاح في مهامهم البيئية، والثقافية، والسياحية، التي تنبثق من الأهداف الوطنية والإنسانيّة لهذه الجمعيّة بشكل خاص،والعمل الأهلي بشكل عام.ونتمنّى ومن خلالهم دوماً، أن يجد الرأي الآخر آذاناً صاغية في جمعيّتنا.وأن نقرن ذلك بالأعمال،لا بالأقوال،كما يقول الشاعر أبو تمام:
لا يَطمَعُ المَرءُ أَن يَجتابَ غَمرَتَهُ == بِالقَولِ ما لَم يَكُن جِسراً لَهُ العَمَلُ
ويقول الشاعر (أحمد الكناني) من مصر،في معرض حثّه على العمل،والإخلاص به:
ما دامَ رائِدَنا الإِخلاصُ في العَمَلِ == لا بُدَّ نَبلغُ يَوماً غايَةَ الأَمَلِ
وَذو العَزيمَةِ إِن رام المُحالَ فَلا == يحولُ دونَ مناه أَوعرُ السُبُلِ
والله الموفّق.
وإلى أن ألتقيكم بعون الله في مسير قادم، أتمنّى للجميع السعادة والحبور.
سلمية في /13/3/2010
الصديق حيدر حيدر