من وحي المسير الرياضي إلى( تلول الحمر)....
******************************************************************************
أطلّ علينا قرص الشمس الذهبي من شرفته السماوية،وتحديداً من الناحية الجنوبية الشرقية كعادته في توضّعه في كبد السماء ،في مثل هذه الأيام الدافئة من أربعينية الشتاء، قال الشاعر(ابن الجياب الغرناطي)يصف جمال الطبيعة عند شروق الشمس:
حلّت الشمس برأس الحملِ == واكتسى الروضُ بديعَ الحُلَلِ
فكلّ تلعةٍ غُصنُ نقا ==يتثنّى كتثنّي الثملِ
وبكلِّ ربوةٍ ناجمةٍ ==من جَنَيِّ زهرهن الخَضِلِ
من أقاح باسم ونرجسٍ == وجل وياسمينٍ خَجِلِ
فكأنَّ الشمس لما طلعت ==نثرت بالأرض هاتيكَ الحلِي
وربما التقى برج سعد الشمس المشرقة في الجوزاء، ببرج سعد أصدقاء المسير،وطابق هذا الموقف في معانيه قول شاعرنا الأندلسي(ابن الأبار):
وَحَلَّتْ بِسَعْدِ الأَسْعدِ الشَّمسُ عِنْدَها == فَأيِّدَ فِي أَثْنائِها السَّعْدُ بِالسَّعْدِ
ومسير الأصدقاء لهذا الأسبوع يشقّ طريقه في دروب جديدة عبر هذه الطبيعة
الساحرة التي تحدّث عنها الشاعر، والتي ابتسمت رياضها لورود الربيع وهي تضحك وتتلون بمختلف الأطياف والألوان الساحرة،وقد زيّن بساط الأرض ـ قبل قدوم فصل الربيع ـ فصل تجددها وإشراقها،وأخذت النسيمات الجنوبية الشرقية تداعب وجنتيها المزركشتان بأزهار اللوز التي تفتحت،بعد أن لبست أمّنا الأرض رداءها الأخضر المطرزة حواشيه، بكلّ منظر خلاب وساحر،فهنا رصفت أشجار الزيتون في صفوف متراصة، تمتد إلى ما لانهاية لها، في السهول وفوق التلال والروابي التي تحيط بنا من كلّ النواحي والاتجاهات، وأثلام الشعير التي اخضرت وزهت بعد أن أنعم الله علينا في الأسبوع الماضي، بغيث وفير،إنها لنعمة من نعم السماء كم انتظر فلاحو بلدي غيثها وبركتها؟؟ والزرع والضرع في مدينتي بشكل خاص كون الفلاح فيها يعتمد وبشكل أساسي على موسم الأمطار،يزرع في الأرض بذوره،ولكن عينيه على السماء، يستسقي،يستغيث طلباً للماء والكلأ ...ولم تخيّب السماء دعاءه وهتافه،واستجابت لهذا النداء..عندما صبّت سطولها على الحقول فسقتها من خيرها الوفير، الذي نتمنى من كلّ قلوبنا أن يظلّ مدراراً وغزيرا..
ومع هذين البيتين للشاعر البحتري يصف فيهما أثر انهمار المطر على الأرض
العطشى:
إِنَّ السَماءَ إِذا لَم تَبكِ مُقلَتُها == لَم تَضحَكِ الأَرضُ عَن شَيءٍ مِنَ الخُضُرِ
وَالزَهرُ لا تَنجَلي أَحداقُهُ أَبَداً == إِلّا إِذا مَرِضَت مِن كَثرَةِ المَطَرِ
*************************************************
url=http://www.0zz0.com][/url
*************************************************
وعلى الصوت الملائكي لفيروز الذي كان ينبعث من الهاتف المحمول لإحدى صديقات المسير،كنّا نحث الخطا في دروب مسير اليوم،ميممين محور قرى
( عيدون ..تلول الحمر.. القنيطرات... سليم...)التي تقع في الجهة الجنوبية الغربية من سلمية،وبعض قرى هذا المحور تابع إدارياً إلى محافظة حمص،وقد وصل مسيرنا إلى محطته الأخيرة، بعد أن سرنا لمدة ساعتين متواصلتين، قطعنا مسافة تعادل عشرة كيلو مترات، بدءاً من سلمية المزيرعة، وانتهاء بطريق سلمية حمص،وكان صوت فيروز الساحر، يتناغم مع سحر الطبيعة المحيطة بنا بخضرتها وبهائها، فيزيدها بهاء وجمالاً،وخلال عبور مسيرنا دروب هذه القرى،التي كان بعضها معبّداً،وبعضها معدّ لتعبيده بالإسفلت،كان يستقبلناـ عند مدخل كلّ قرية نمرّ بهاـ نباح الكلاب، ككلّ الأضياف الذين يقصدون مكاناً جديداًً عليهم،إنّ في نباح الكلاب نوع من إقراء الضيف،وقديماً كان كلّ قوم لاتنبح كلابهم، ينعتون بالتقتير والبخل،لأنّه لايزورهم أحد،ومنذ أن عبرنا قرية عيدون في الصباح الباكر تعالى صوت صياح الديكة ،معلناً بدء يوم عمل جديد ،ينهض فيه أبناء الريف كعادتهم مبكرين،قاصدين حقولهم وبساتينهم،يجدّون ويعملون بهمة ونشاط،إنّ كدحهم يجني غلالاً وفيرة، تكسبهم ثروة وقناعة بما يرزقهم الله ،وهم فريق الإسعاف الذي يمدّ وطننا بكلّ ما يحتاجه من ذخيرة ودواء، حتى يظلّ منتصباً شامخاً، في وجه كلّ التحديات الداخلية والخارجية، التي تواجه مسيرة تقدّمه وبنائه، وعلى جانبي الطريف رتعت قطعان الماشية، وقد تقدّمها قائد القطيع(المرياع) الذي تعالى صوت أجراسه،وكأنه بوق لقطعة عسكرية، يعلن النفير العام،وبشكل منتظم سار المرياع وراء (حمار الراعي) وخلفه تتالت أرتال القطيع بصفوف منتظمة،ولكن سرعان ما تفرقت الأغنام في المرعى، وهي تثغو في المرعى، وخلفها رتعت( طليانها)، حقاً إنّها للوحة ريفية جميلة، إطارها مزين بخضرة الطبيعة، وما تلألأ فيها من فراقد من الجماد والأحياء،فهذا طفل يحبو وبجانبه أخته الصغيرة، وقد تدلّت من جبينها خصلات شعرها، وكأنها لتّوها قد سرحتها عند أمهر المزينين،
*************************************************
url=http://www.0zz0.com][/url
************************************************
وذاك ولدان يلعبان أمام منزلهما، ويمرحان فوق المروج الخضراء التي نبتت من صدر الطبيعة، التي ارتفع نهداها الشامحان، في الربا الممتدة عبر الأفق القريب والبعيد،ومما لفت انتباهي في مسير اليوم ،المشفى المشيّد في قرية القنيطرات..والغير موضوع في خدمة المواطنين حتى الآن،والذي ساهمت في إقامته بعض الدول العربيّة الشقيقة،تقدمة لأهالي هذه المنطقة التي تربطها بهم أواصر النسب والقرابة،وبرأيي يعتبر هذا العمل عملاً خدماتياً رائعا، مادام هذا الإنجاز الصحي، يصبّ في الحفاظ على صحة ورعاية المواطنين الفقراء ،في هذا الريف النائي البعيد عن أية خدمات صحيّة مباشرة وقريبة،أرجو أن يستكمل تجهيز هذا المشفى في أقرب وقت،وأن يخدّم بالكادر الطبي والفنّي اللازمين، لمباشرة تقديم يد العون والإسعاف السريع لكلّ من يحتاج من أبناء هذه المنطقة.
ولقد قال الشاعر المصري (محمد شهاب الدين) مبيناً أثر عمل الخير على صاحبه:
من عمل الخير نال خيراً = = سرّ به قلبه الحزين
وعبر هذه الفتنة الخلابة،والأطياف الساحرة للمشاهد الطبيعية،ومن خلال نفاذ أشعة الشمس الدافئة إلى أبدان أصدقاء المسير، التي سخنتها حمّى رياضة المسير الصباحية وأدفأتها، رغم تيار الهواء الجنوبي البارد نسبياً في صباح هذا اليوم.
*************************************************
url=http://www.0zz0.com][/url
*************************************************
وعلى درب المسير تناثر الأصدقاء، كما تتناثر الجواهر واللآلىء الثمينة على صدر عروس، زفّت في مثل هذا اليوم إلى حبيبها ،وكانت الأحاديث الوديّة،وأجواء المحبّة تغمر نفوسهم،بنوع من الراحة والطمأنينة،فتبدو السعادة على وجوههم،والفرح في عيونهم،وفي مثل هذه الأجواء الحميمية التي يتميّز بها مسير اليوم ،وكلّ مسير،تذوب الفوارق في الأعمار والثقافة وتعدد البيئات والمنابت،فكلّهم سواسية ،ذابوا في مجتمع المسير كقطعة السكّر وهي تحلي لنا كأس المتة الذي تعودنا على شربه بعد نهاية كلّ مسير،وكان هذا اليوم في مكان
معروف قديماً بـ (عين سليم)وهي عين من عيون سلمية وينابيعها الكثيرة والتي كما ذكر، بلغت حوالي ثلاثمائة عين أيام زمان،ونظراً لظروف بيئية ومناخية واقتصادية مرّت بها منطقة سلمية، لامكان لذكرها الآن،_ وربما تسنح لي الفرصة للحديث عنها مستقبلاًـ جفّت تلك العيون ونضب معينها الثرّ،كما هو الحال في عين (سليم) التي جلس الأصدقاء عند أوابدها وأطلالها الغابرة،
وكما في كلّ نهاية مسير،يستريح الأصدقاء، ويتحلقون لتناول المشروبات الساخنة،ويفترشون بساط الطبيعة الأخضر النضر، على شكل سوار حبّات ألماسه،هم شباب وصبايا المسير،وبروح تعاونية منبثقة من إطار الإيمان بأهداف المسير،المستمدة من إطار العمل الطوعي في مجتمعنا الأهلي،يقوم البعض بتسخين الماء،والبعض الآخر يصبّ الماء الساخن في كؤوس الأصدقاء،والبعض الآخر يوزّع ماجلب معه من ضيافة وحلويات،ولكن أطيب ما نتذوقه في هذه الاستراحة هو نبيذ التعارف بأصدقاء جدد، نراهم يرفدون نهر المسير العذب، بينابيع عذبة ورقراقة، في مائها خمر المودة والصفاء والنقاء..وما يميّز أصدقاء اليوم هو غلبة جمهور الفتية والشباب على جمع المسير...والشباب دائماً هم الأمل والمستقبل الواعد وبدونهم لاتكتمل البهجة،ولا تضطرب الحياة بالنشاط والحركة والاستمرارية فهم كموج البحر المتلاطم الأمواج في مدّه وجزره،يتحركون بحيوية،ويتحدثون بعفوية،وتطفو أحلامهم فوق جبينهم وهم يحدثونك عن المستقبل بشفافية ورقة..الشباب هم شهد الأزهار المتفتحة في الربيع،وهم رياحين الطبيعة التي لاتعرف الديمومة،فلكلّ فصل لديها نكهة ورائحة خاصة،ودائماً يفوح من أردانهم،ويرتسم على وجوههم جمال الخريف،وعصف الشتاء،وأريج الربيع،وسحر أمسيات الصيف..وباختصار هم الحياة .تنبض بنبضهم،وتضجّ بصخبهم،وليس لنا نحن الكهول من قول نقوله في تحسرنا على شبابا تولى ،أكثر مما قاله الشاعر العراقي(محمد سعيد الحبوبي) وهو يتحسّر على شبابه:
إني وثقت بحبّكم فتكاثرت == علٍلٌ تقلّله فقلّ وثوقي
كان الشباب الغض موسم لذتي == وراج سوق عكاظه في سوقي
فطوى المشيب سجله طيّ الدجى == حشدت عليه الشمس جيش شروق
ويلي على عصر الشباب وغادة == بخلت علي بزورة وطروق
فيا شباب المسير،أدام الله عليكم زهو الشباب،ولا منيتم بغادة بخيلة،كتلك التي لم
تجد على شاعرنا بحنانها وعطفها..
وقال أبو العتاهية في معرض تحسره على شبابه:
عَرِيتُ عن الشَّبابِ وكنتُ غَضّاً == كما يعرَى عن الورَقِ القضيبُ
ونُحْتُ على الشَّبابِ بدمعِ عيني == فما نفَعَ البكاءُ ولا النَّحيبُ
ألا ليتَ الشَّبابَ يعودُ يوماً == فأُخبِرَهُ بما فعَلَ المشيبُ
وقال آخر:
بكيتُ علَى شبابٍ قد تولَّى فيا ليتَ الشَّبابَ لنا يعودُ
فلو كانَ الشَّباب يُباعُ بَيْعاً == لأعطيتُ المُبايعَ ما يُريدُ
ولكنَّ الشَّبابَ إذا تولَّى == علَى شَرفٍ فمطلبُه شَديدُ
*************************************************
url=http://www.0zz0.com][/ur
*************************************************
فيا أصدقاءنا... حافظوا على شبابكم بالرياضة المنظمة،من خلال المواظبة على المشاركة في المسير الرياضي، لجمعية أصدقاء سلمية...لأنّ الشباب ثمين
وإذا تولّى لايباع ولا يشرى...ومرة ثانية دعوني أقول:
أدام الله عليكم زهو الشباب،وألبسكم ثوب الصحة والعافية.
لكم التحيّة،وكلّ الأمنيات الطيبة، بمستقبل مشرق وواعد...ونتمنى دوماً أن يظلّ عبق رياحينكم، يفوح عطره في دروب مسيرنا الرياضي لهذا الأسبوع، وكلّ أسبوع قادم بعون الله..
وإلى أن نلقاكم في مسير قادم إن شاء الله ،نتمنى لجميع الأصدقاء الصحة والسعادة..
سلمية في /22/1/2010
الصديق: حيدر حيدر